كابوس يُطارد ترامب: كيف يمكن للتوترات بين إيران وإسرائيل أن تؤثر على أزمة الطاقة؟

كابوس يُطارد ترامب: كيف يمكن للتوترات بين إيران وإسرائيل أن تؤثر على أزمة الطاقة؟

بينما يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحفاظ على صورة “منقذ الاقتصاد”، تتجه أزمة جديدة إلى التمدد من الشرق الأوسط إلى محطات الوقود في الولايات المتحدة، مهددة بإعادة سيناريو الانكماش وارتفاع الأسعار الذي ساهم سابقًا في فقدان الثقة بإدارة جو بايدن.

فمع الضربات الإسرائيلية التي طالت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، فجر الجمعة، قفز سعر النفط العالمي إلى 73 دولارًا للبرميل بحلول منتصف اليوم بتوقيت الساحل الشرقي الأمريكي، مرتفعًا بـ8 دولارات خلال 48 ساعة فقط، وسط تحذيرات من أنه قد يبلغ عتبة 100 دولار إذا اتسع نطاق النزاع أو تعطلت صادرات النفط من المنطقة، وذلك حسب تحليل لمجلة “بولتيكو” الأمريكية.

– تأثير مرتقب على الاقتصاد الأمريكي

ورغم أن إدارة ترامب سعت سريعًا للنأي بنفسها عن العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل، إلا أن التأثير الاقتصادي المحتمل على الداخل الأمريكي لا يمكن احتواؤه بسهولة، خاصة أن الأسواق بدأت فعليًا في تسعير خطر التوسع الإقليمي، بما في ذلك تهديدات إيران بالرد عبر استهداف الملاحة أو البنية التحتية للطاقة.

– أسعار الوقود على وشك الاشتعال

يتوقع محللون في سوق الطاقة أن يؤدي التصعيد الحالي إلى رفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بما يصل إلى 25 سنتًا للجالون خلال الأسابيع المقبلة.

ووفقًا لموقع GasBuddy، بلغ متوسط السعر الوطني للبنزين يوم الجمعة 3.13 دولار للجالون، ما يعني أن المستهلك الأمريكي قد يتكبد زيادات متتالية وسط ذروة الصيف.

– مضيق هرمز.. الانتقام الإيراني وضرب الاقتصاد العالمي

وقال الخبير في أسواق الوقود، باتريك دي هان، إن الضربة الإسرائيلية زادت من المخاوف المتعلقة بالإمدادات، خاصة في ظل تقارير عن مقتل قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين، وهو ما يعزز احتمالات الرد الإيراني العنيف، وربما استهداف مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية.

– ترامب يواجه نفس شبح بايدن

ويجد ترامب نفسه محاصراً بين التهديد الاقتصادي والوعود السياسية، المفارقة أن هذا التصعيد يأتي بينما ترامب نفسه بنَى حملته الانتخابية الأخيرة على وعود بخفض أسعار الطاقة، وتوجيه اللوم المستمر لإدارة بايدن على ما وصفه بـ”أغلى طاقة في تاريخ البلاد” لكنه الآن يواجه شبحًا اقتصاديًا شبيهًا بذلك الذي أطاح بسلفه، مع أدوات تدخل محدودة وأكثر هشاشة.

وخلال مراسم توقيع أحد القوانين الأربعاء الماضي، وقبل الضربة الإسرائيلية بساعات، سخر ترامب علنًا من وزير الطاقة كريس رايت بسبب ارتفاع الأسعار، وقال له مبتسمًا: “كنت على وشك الاتصال بك والصراخ فعلًا”، في إشارة إلى تقارير تحدثت عن قرب تحرك عسكري إسرائيلي وارتباط ذلك بارتفاع أسعار الخام.

لكن هذه المزحة لا تخفي قلقًا رئاسيًا حقيقيًا. فكما تقول المحللة أندريا وودز من وزارة الطاقة، فإن البيت الأبيض “يعتمد على تقليص القيود التنظيمية وزيادة الإنتاج المحلي”، لكنها لم تنكر أن الأسعار العالمية تحكمها معادلات العرض والطلب، وليس الإرادة السياسية فقط.

وهناك خيارات محدودة للرئيس خلافًا لما فعله بايدن بعد حرب روسيا وأوكرانيا عام 2022 حين أفرج عن أكثر من 40% من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي.

ويواجه ترامب اليوم واقعًا مختلفًا، فقد تراجع حجم الاحتياطي الأمريكي من 626 مليون برميل قبل 4 سنوات إلى 402 مليون فقط حتى الأسبوع الماضي، ما يعني أن أي إفراج كبير منه قد يكون مكلفًا سياسياً واستراتيجياً.

وبحسب محلل الطاقة آندي ليبو، فإن استهداف إيران لأي بنية تحتية نفطية أو محاولتها إغلاق مضيق هرمز “سيؤدي إلى قفزات حادة في الأسعار”، وقد يصل سعر البرميل إلى 100 دولار، وهو مستوى لم تُسجله الأسواق منذ أوائل عام 2022، عندما بدأت حرب روسيا وأوكرانيا.

وأضاف ليبو، في تصريح لوسائل إعلام أمريكية، أن إيران تعرف تمامًا أن ترامب يركز على إبقاء أسعار الطاقة منخفضة، ما يجعل أي هجوم إيراني يُلحق الضرر بإمدادات النفط من الخليج “ضربة سياسية” أيضًا للرئيس.

– الجمهوريون يدعمون الضربة.. والبيت الأبيض يقلق

ورغم أن ترامب عارض في البداية أي ضربة استباقية على إيران، مفضّلًا استكمال جولة المفاوضات المقررة الأحد المقبل في عمان، إلا أن إسرائيل مضت قدمًا في خطتها.

وأعلن وزير الخارجية ماركو روبيو، أن واشنطن لم تشارك في الضربة، لكنه حذر طهران من استهداف المصالح الأمريكية.

وفي الكونجرس، سارع الجمهوريون إلى إعلان دعمهم المطلق للضربات. وغرد السيناتور ليندسي جراهام قائلاً: “Game on. ادعوا من أجل إسرائيل”. لكن المعضلة الأكبر لإدارة ترامب ليست في الانقسام الداخلي حول الضربة، بل في تأثيرها الخارجي المحتمل. فإذا تسعّر الخطر في السوق أكثر مما تحتمل الميزانية المنزلية الأميركية، فإن وعود ترامب قد تتبخر أمام أعين الناخبين، لا سيما في ولايات متأرجحة تتأثر بشدة بأسعار الوقود والطاقة.

– أسعار مرنة.. حتى إشعار آخر

رغم القفزة الأخيرة، يرى بعض المحللين أن الأسعار قد تعاود الاستقرار إذا لم يتوسع القتال. وقال تاماس فارغا من شركة PVM، في رسالة بريدية، إن “الأسعار قد تبقى مستقرة حتى نهاية الأسبوع، لكنها مرشحة للارتفاع مجددًا الاثنين إذا لم يُحتوَ الوضع”.

لكن، كما يحذر بوب ماكنالي، المستشار السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، فإن “الزيادات الجيوسياسية في أسعار الطاقة أخطر على الاقتصاد من التضخم نفسه”. وبحسب قوله، فإن “البيت الأبيض يجب أن يقلق بشدة”.