تقرير: محاكمات التآمر على أمن الدولة في تونس تثير الجدل

تقرير: محاكمات التآمر على أمن الدولة في تونس تثير الجدل

* بدر الدين الغرسلاوي الأمين العام الوطني لحزب المسار (مساند للرئيس قيس سعيّد):
– لا محاكمات سياسية في تونس ولكن هناك أناس خالفوا القانون بالحجة والمستند ويجب أن يحاسبوا
– ندعو الرئيس للحوار الوطني مع من لم يتورط في قضية التآمر ولا يجب تجاوز أي أشياء مخالفة للقانون لصالح التهدئة
** نبيل حجي الأمين العام لحزب “التيار الديمقراطي” المعارض:
– التآمر على أمن الدولة تهمة سياسية مفبركة فكيف لشخص متهم بقلب النظام لا يستمع له القاضي خلال سنتين
– كيف يمكن الوصل إلى حل مع السلطة والرئيس يرفض الحوار ولا يسمح بحضور أي معارضة في وسائل الإعلام
– المعارضة في حالة ضعف وخصوماتها القديمة مستمرة لكن عليها الجلوس على طاولة الحوار من أجل فرض بديل للاستبداد

أصدرت محكمة تونسية، السبت، أحكاما بالسجن تتراوح بين 4 و66 عاما في حق 40 متهما في قضية “التآمر على أمن الدولة”، بينهم 22 حضوريا، و18 غيابيا.
ونقلت وكالة “تونس إفريقيا” للأنباء عن المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب (لم تذكر اسمه) أن تلك الأحكام “قابلة للاستئناف وفق نص القانون التونسي”.
وأضاف المصدر القضائي أن “الحكم في حق المتهمين المحالين بحالة فرار هو النفاذ العاجل، بمعنى أن الأحكام الصادرة ضد المتهمين الهاربين (غير الحاضرين أثناء المحاكمة) ستُطبق فور القبض عليهم”.
ووفق المصدر ذاته، ترتبط التهم بارتكاب المتهمين عدة جرائم أبرزها “التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام اليه، وارتكاب اعتداء مقصود به تبديل هيئة الدولة او حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح”.
كما تشمل التهم “إثارة الهرج والقتل والسلب على التراب التونسي”، في أعمال “مرتبطة بجرائم إرهابية والاضرار بالأمن الغذائي والبيئة”.
وتدّعي أطياف من المعارضة ومنظمات حقوقية أن القضية ذات “طابع سياسي”، و”تُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين وتكميم الأصوات المنتقدة للرئيس (قيس) سعيّد وخاصة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية”.
لكن السلطات التونسية أكدت في مناسبات عدة أن جميع الموقوفين في البلاد يُحاكمون بتهم جنائية تتعلق بأمن الدولة، مثل “التآمر على أمن الدولة” أو “الفساد”، ونفت وجود محتجزين لأسباب سياسية.
** أبرز المدانين
والجمعة، انطلقت بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة الجلسة الثالثة للقضية المعروفة إعلاميا بـ”التآمر على أمن الدولة”، وسط غياب المتهمين عن الجلسة، واحتجاج عائلاتهم أمام مبنى المحكمة.
وتعود القضية إلى فبراير/ شباط 2023، عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووجهت إليهم تهم تشمل “محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة”، و”التخابر مع جهات أجنبية”، و”التحريض على الفوضى أو العصيان”.
ومن أبرز المدانين في القضية رجل الأعمال كمال اللطيف (السجن 66 سنة)، والأمين العام السابق لحزب “التكتل الديمقراطي” خيام التركي (السجن 48 سنة)، والقيادي بحزب “حركة النهضة” نور الدين البحيري (السجن 43 سنة)، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج (السجن 18 سنة).
إضافة إلى أمين عام “الحزب الجمهوري” عصام الشابي (السجن 18 سنة)، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي (السجن 18 سنة)، والرئيس السابق لاتحاد المزارعين عبد المجيد الزار (السجن 33 عاما) ورئيس “جبهة الخلاص الوطني” أحمد نجيب الشابي (السجن 18 عاما)، ووفق جريدة الشروق التونسية.
وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ سعيد، فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على الدستور وترسيخا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2012).
** جدل مستمر
بدر الدين الغرسلاوي الأمين العام الوطني لحزب المسار (مساند للرئيس قيس سعيّد) قال: “ليست هناك محاكمات سياسية في تونس، وليس لنا سياسيون في السجن، لكن هناك أناس خالفوا القانون بالحجة والمستند وأثبتت التقارير الفنية أنهم قاموا بذلك ويجب أن يحاسبوا”.
وأضاف للأناضول: “هل نطبق القانون فقط على المواطن العادي، وإذا أخطأ سياسي نعتبر ذلك محاكمات سياسية”.
وتابع الغرسلاوي: “هناك عدد من السياسيين ينتقدون الرئيس، بما في ذلك حزبنا، ولا يقع لهم شيء. وهناك وقفات احتجاجية والناس تعبر عن رأيها في وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ولا يحاسب أحد”.
وأضاف: “قضية التآمر من مشمولات القضاء وليس لنا مساجين سياسيين في تونس، والمعارضون يتحركون ولا يكلمهم أحد، ولكن من يمس الأمن القومي للبلاد ويتآمر على تونس عليه أن يحاسب دون تشفي، والقضاء هو من يقرر ذلك”.
بالمقابل، يرى نبيل حجي، الأمين العام لحزب “التيار الديمقراطي” المعارض، أن “تهمة التآمر على أمن الدولة هي تهمة سياسية مفبركة”.
وأضاف للأناضول: “المتهمون كلهم سياسيون، وبعد الاطلاع على ملف القضية نجد أن ما فيه لا يرتقي إلى تهم”.
وتابع حجي: “إعلامية مثل سنية الدهماني أو الصحفي محمد بوغلاب (أفرج عنه في فبراير/ شباط الماضي) أو مراد الزغيدي (صحفي) ماذا فعلوا؟!، الصحفي ينقد تصرفات السلطة، وهذا دوره. ولا يمكن أن نقول أن محاكمتهم غير سياسية”.
وأكد حجي أن “السياسي ليس بمعزل عن المتابعة القضائية في دولة يُحترم فيها القانون، ولا أحد بمعزل عن المحاكمة، لكن كيف لشخص متهم بقلب النظام لا يستمع له القاضي مدة سنتين”.
وتابع: “أنا كمعارض لا أقبل بتغيير نظام الحكم عن طريق الانقلاب، لكن لا وجود لانقلابيين” في تونس.
** جدوى دعوات الحوار الوطني
وردا على سؤال بخصوص أهمية تجاوز المحاكمات في ظل دعوات لحوار وطني، قال الغرسلاوي: “لا يتم تجاوز أشياء مخالفة القانون ولكن في إطار التهدئة ندعو الرئيس للحوار الوطني مع الأحزاب المساندة للمشروع (قرارات سعيد الاستثنائية في 2021)”.
وأضاف: “هناك أحزاب مساندة للمشروع وأحزاب معارضة، وأنا مع دخولها في حوار وطني من أجل البناء وتجاوز هذه المرحلة، لكن القيادات التي تورطت ضد الأمن القومي يجب يطبق أن عليها القانون”.
ووفق الغرسلاوي: “قانون الأحزاب يقول إذا كانت هناك أشياء تدين قيادات الأحزاب فيتم تتبعها قضائيا، ولكن أحزابهم تبقى نشطة، وهذا حاصل في تونس”.
وأوضح أن الأمين العام للحزب الجمهوري يلاحق في “قضية التآمر”، ولكن حزبه ينشط وله مقرات في تونس، وكذلك الأمر بالنسبة للتيار الديمقراطي الذي يوجد أمينه العام السابق غازي الشواشي في السجن لكن الحزب لا يزار نشط.
وقال الغرسلاوي: “حزب المسار يطالب بالحوار مع من لم يتورط في القضية، وحتى مع المعارضين، فالحياة السياسية يجب أن يكون فيها معارض ومساند، وجميعهم أبناء تونس، لكن لا يمكن إشراك أناس لهم قضايا جزائية”.
وعلى خلاف ذلك، استبعد الأمين العام لحزب “التيار الديمقراطي” حصول انفراج بهذا الخصوص قائلا: “لا أعتقد أن الحل السياسي من طرف السلطة ممكن”.
وقال حجي: “كيف يمكن الوصل إلى حل مع السلطة والرئيس يرفض الحوار”.
وأضاف: “المعارضة للأسف ضعيفة، وفي حالة خوف، رغم وجود بعض من يمارسون المقاومة السياسية. والإعلام ضُرب بعصا الذل ولا يسمح بحضور أي معارضة في وسائل الإعلام”.
وتابع حجي: “الناس كانت تساعد بتبرعات للأحزاب، لكنها اليوم أصبحت تخاف ذلك”.
** دعوة لتوحيد المعارضة
وأكد حجي على أن “المعارضة في حالة ضعف وخصوماتها القديمة مستمرة”، مشددا على أهمية “توحيد القوى، ليس من أجل مشروع مشترك ولا حكم مشترك، بل من أجل فرض بديل للاستبداد”.
وأضاف: “كل الأطراف مهما كانت خلافاتها، بما في ذلك حركة النهضة والحزب الدستوري الحر، يجب أن تلتقي على طاولة للحوار، وإذا تحقق ذلك فسيكون هناك زخم في الشارع، وعندئذ سيقول التونسيون إن البلاد ستكون ديمقراطية بغض النظر عن الحاكم”.