هارفارد تتحدى إدارة ترامب.. الجامعة الأمريكية العريقة تقف في وجه قرارات البيت الأبيض

هارفارد تتحدى إدارة ترامب.. الجامعة الأمريكية العريقة تقف في وجه قرارات البيت الأبيض

بعد رفض جامعة هارفارد الامتثال لمطالب إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى أرسلها عبر خطاب رسمى، بدأت علامات القلق تظهر فى البيت الأبيض. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الخطاب الذى تضمن مطالب الإدارة بإعادة هيكلة شاملة للجامعة، والذى وصفه حتى صحيفة «وول ستريت جورنال» ذات التوجه المحافظ بأنه «أشبه بوضع الجامعة تحت وصاية فدرالية»، تم إرساله دون تفويض رسمى.

وأشارت المعلومات إلى أن مصدر الخطاب هو أحد أعضاء فريق العمل الرئاسى المعنى بمكافحة معاداة السامية، والذى يتزعم الحملة ضد كبرى الجامعات البحثية، نقلًا عن مجلة «النيو يوركر».

وألمحت كبيرة مستشارى السياسات بالبيت الأبيض، ماى ميلمان، إلى إمكانية استئناف المفاوضات بين الطرفين، رغم توتر العلاقة. ويبدو أن الإدارة الأمريكية فوجئت بموقف هارفارد الرافض للرضوخ للتهديدات، بعكس ما فعلته جامعات مثل كولومبيا وبعض شركات المحاماة.

ويعتقد أن هذه الخطوة قد تكون أكبر تهديد يواجه الجامعة منذ تأسيسها عام 1636، خاصة بعد وقف أكثر من مليارى دولار من التمويل الفيدرالى الذى كانت تحصل عليه. إلا أن هارفارد، التى تمتلك صندوق وقف (endowment) بقيمة 53.2 مليار دولار، تعتبر خصمًا قادرًا على المواجهة.

وقد أوضحت الجامعة فى تقريرها المالى لعام 2024 أنها حققت فائضًا تشغيليًا قدره 45 مليون دولار، من إجمالى إيرادات بلغت 6.5 مليار دولار.

ويبلغ عدد طلاب هارفارد نحو 25 ألفًا، وتمتلك الجامعة حوالى 20 ألف موظف، وأشارت البيانات إلى أن حوالى 685 مليون دولار من تمويل الجامعة جاء من الحكومة الفيدرالية العام الماضى، بينما بلغت توزيعات صندوق الوقف حوالى 2.4 مليار دولار، أى أكثر بثلاث مرات تقريبًا من التمويل الحكومى.

وفى خطاب موجه إلى البيت الأبيض أكدت محامية الجامعة أن هارفارد «لن توافق على مطالب تتجاوز السلطات القانونية لأى إدارة»، فى إشارة إلى استعداد الجامعة لخوض معركة قانونية ضد الحكومة.

وتعتمد هارفارد فى تمويلها على مصادر متعددة، أبرزها صندوق الوقف، والذى يستثمر أكثر من 70% من أمواله فى صناديق التحوط والأسهم الخاصة، فى حين أن 14% فقط مستثمرة فى الأسهم و5% فى السندات. ويقود هذه الاستثمارات شركة «هارفارد مانجمنت كومبانى»، التى يديرها نيرمال نارفيكار، والذى تقاضى 9.6 مليون دولار كتعويضات فى عام 2022، إلى جانب زملاء تلقوا رواتب تزيد عن 4 ملايين دولار.

وعلى الرغم من أن 80% من أموال الوقف مخصصة لمشاريع مقيدة مثل الكليات أو البحوث أو الأبنية، إلا أن الجامعة تمتلك ما يقرب من 10 مليارات دولار من التبرعات غير المقيدة، بالإضافة إلى مليارى دولار من الاستثمارات السائلة. كما أنها أصدرت مؤخرًا سندات بقيمة 750 مليون دولار لتأمين سيولة مالية دون الحاجة إلى بيع أصولها.

وفى الوقت الذى يتصاعد فيه الضغط من إدارة ترامب، التى تهدد الآن بإلغاء الوضع الضريبى المعفى للجامعة، يرى بعض المحللين أن هذه المواجهة قد تؤدى إلى تداعيات واسعة على مستقبل التعليم العالى فى الولايات المتحدة. وتُعد هارفارد حاليًا فى طليعة المؤسسات الأكاديمية التى تقاوم ما يعتبره البعض حملة لإعادة تشكيل القيم الوطنية على أسس محافظة.

ويؤكد خبراء أن خطوة استهداف هارفارد، رغم قوتها المالية، قد تكون خطأً استراتيجيا من قبل الإدارة الأمريكية، لا سيما وأن الجامعة قادرة على الصمود ماليًا لعدة سنوات. لكن، كما قال البروفيسور بروس كيمبال، فإن «هارفارد بحاجة إلى أصدقاء»، داعيًا الجامعات الأخرى للوقوف معها رغم اختلاف إمكانياتها.

فى ظل هذه الأوضاع، قد تكون المواجهة القادمة بين هارفارد والبيت الأبيض مفصلية فى الدفاع عن حرية التعليم واستقلاليته، وسط تصاعد التوترات السياسية فى البلاد.