كتاب الحالة السردية للوردة المسحورة.. حين تتحول الزهرة إلى أسطورة

الوردة ذلك الرمز الجمالى الفريد الذى يطغى على تأويله فكرة الحب والرومانسية والرهافة، وفى أوقات أخرى من الممكن أن يكون تمثيلا للأنوثة أو لتمثيل جمال المرأة بأشكال مختلفة، وربما يعتبرها البعض مجرد نبتة جميلة ذات ألوان زاهية تأسر العيون، وروائح نفاذة تطرب الأنوف.
وهنالك تأويلات أخرى حول الوردة، تأويلات أعمق وأعقد من مجرد كونها نبتة ذات ألوان جميلة وروائح نفاذة مجرد رمز للجمال والرومانسية فقط، هنالك سردية أخرى يتبناها كتاب «الحالة السردية للوردة المسحورة»، للكاتبة منى أبو النصر، والصادر عن دار الشروق.
كتاب «الحالة السردية للوردة المسحورة»، هو كتاب فاتن، يكتسب فتنته من الحالة الأسطورية للوردة ذلك الرمز الجمالى، الذى يصبح فى الكتاب أكبر من مجرد رمز للرومانسية، بل رمز من نوع أسطورى فنى، الكتاب يحلل ذلك الحضور الطاغى للوردة فى الأعمال الأدبية والسينمائية والفنية المختلفة، هو ليس كتابا ككل الكتب إنه يؤسس لسردية أخرى للوردة، ولمنهج جمالى وأدبى جديد لفهم الرمز، وحتى الغلاف للفنان عمرو الكفراوى يمتلك تلك الفتنة نفسها هو يعبر عن مضمون الكتاب بشكل دقيق ويعطى نفس الأسطورية للوردة.
الكتاب يأخذنا فى رحلة شاعرية جميلة فى 41 فصلا، واستنادًا إلى أكثر من 100 عمل من مختلف الفنون، تقوم الورود، التى تظهر عبر فصول هذا الكتاب، بإضاءة نصوص أدبية ومشاهد فنية، ربما تتجاور للمرة الأولى فى حقل فنى جديد أقرب ما يكون إلى عمل البستنة.. فالوردة سردٌ يقول كل شىء.
يطرح الكتاب رؤية تسعى إلى خلق سياق جديد يُقدم الورود كثيمات سردية، تتقاطع فيها الرؤى الفلسفية، والحِيَل الدرامية، حيث تتنقل المؤلفة من الميثولوجيا اليونانية إلى قصائد محمود درويش، ومن عقد الياسمين فى قصة «زعبلاوى» لنجيب محفوظ، إلى رائحة الليلك فى «قمر على سمرقند» لمحمد المنسى قنديل، وعالم «خُزامى» لسنان أنطون.
تجعلنا نشارك محمد فوزى فى «استعراض الزهور»، ثم تأخذنا إلى استعراض زهور آخر فى «أليس فى بلاد العجائب». وتستكشف المؤلفة غواية زهرة اللوتس فى ملحمة «هوميروس»، مرورًا بزهرة «الأمير الصغير» النادرة، لتنسج رؤى تتقاطع بين السِّحر والرمزية، قبل أن تتوقف عند ورود ماركيز الصفراء، وحروب الورود لدى وليم شكسبير.
يكشف هذا الكتاب الفريد كيف أن الفن والأدب لم يتعاملا مع الورود باعتبارها عناصر زخرفية تمنح المشاهد جمالًا ورومانسية فقط، وإنما تحمل أبعادًا أخرى أبعد من صورتها المجردة، بما يتجاوز المعنى القريب المباشر إلى ما لا حصر له من دلالات.
تحلل أبو النصر وتسلط الضوء على حضور الوردة فى الأساطير المختلفة فنراها تسرد علينا أسطورة خلق الوردة فى الميثولوجيا اليونانية مثلا، ونرى كيف أن الوردة هى دمعة ربة الجمال عند الإغريق أفروديت، وترينا أيضا أسطورة خلق الوردة الحمراء من أسطورة أخرى متعلقة بأفروديت أيضا والدماء فى سردية أسطورية فريدة.
هنالك أيضا حديث عن أسطورة وردة النرجس وربطها بفكرة النرجسية، عن طريق أحد الأساطير اليونانية أيضا والتى تمثل جزءا كبيرا من فهم طبيعة رمزية الوردة فى الكتاب، فقصة إيكو إحدى حوريات ربة الجمال أفروديت، والتى تقع فى حب الفتى الجميل نرسيس المغرور والمزهو بنفسه، حتى نهاية القصة من افتتان نرسيس بنفسه وتحوله لزهرة النرجس بشكلها الحالى، مع ربط ذلك باضطراب الشخصية النرجسية الذى اكتشفناه فى العصر الحديث.
نرى أيضا قصة خلق زهرة عباد الشمس واستخدامها وتأويلها فى الأدب، والشعر، وخاصة فى شعر الشاعر الفلسطينى محمود درويش، وتسرد الكاتبة قصة عباد الشمس، والتى كانت قصة بين الحورية الذهبية كليتى، والإله أبوللو وعربته عربة الشمس، تحكى لنا الكاتبة عن رغبة كليتى فى لفت نظر الإله أبوللو وأنها عندما تفشل فى ذلك تتحول لزهرة عباد الشمس التى نعرفها بسرديات ونهايات تأويلية مختلفة تماما كما فى أسطورة خلق زهرة النرجس.
نجد أيضا محاولات لتقريب ظهور الوردة وأهميتها فى أعمال أدبية وسينمائية كما ذكرنا بشكل عام فى البداية، فمثلا نجدها فى أعمال أدبية خالدة مثل «الأوديسة»
لـ هوميروس، وفى أعمال أدبية حديثة خالدة هى الأخرى مثل «الحب فى زمن الكوليرا»، و«مائة عام من العزلة» للكاتب الكولومبى غابرييل جارسيا ماركيز، والذى تحدثت الكاتبة عن حبه وتعلقه الشديد بالورود، وعن جنازته التى ملأتها الورود الصفراء التى أحبها دائما وكتب عنها، وأيضا استعرضت الكاتبة الورود فى أعمال شكسبير، وأفردت فصلا كاملا لرواية «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيرى، حول ذلك الأمير المغرم بالوردة الجميلة وكيف تمثل هذه القصة جزءا من حياة الكاتب نفسه وعلاقته بزوجته.
نرى على مدار الكتاب ذلك الحضور الطاغى للوردة فى الأعمال الأدبية، السينمائية، الدرامية، والفنية، حضور يجعل الوردة جزء لا يتجزأ من بنية العمل الفنى التى تظهر فيه، سواء كان قصة، رواية، أو فيلما سينمائيا، بل إن الكتاب لا يكتفى بذلك فنرى الوردة فى الشعر، والقصة، والأغنية، وحتى فى نهاية الكتاب نرى حضور الوردة حتى فى فن الباليه.