كيفية الحياة مع الألم المزمن وعدم الاستسلام للمرض عبر كتاب جديد لكاتبة أمريكية

كيفية الحياة مع الألم المزمن وعدم الاستسلام للمرض عبر كتاب جديد لكاتبة أمريكية

فى عام 1985، قدّمت الكاتبة الأمريكية، إلين سكارى، فى كتابها «الجسد المتألم» أطروحة مؤثرة حول استحالة التعبير عن الألم، مؤكدة أن «الألم الجسدى لا يقاوم اللغة فحسب، بل يعمل بنشاط على تدميرها»، وقبلها بستة عقود، قالت الكاتبة الإنجليزية، فرجينيا وولف، فى مقالتها عن وصف المرض إن اللغة «تُصاب بالجفاف» عندما نحاول وصف المعاناة الجسدية.

هذا العجز عن التعبير هو ما حاولت الكاتبة الأمريكية، ماجى نيلسون، استكشافه فى كتابها الجديد بعنوان «باثيماتا»، والذى سردت عبر صفحاته رحلتها الطويلة فى مواجهة ألم غامض ومزمن فى فمها؛ حيث بدأت رحلة استرجاع ماضيها محاولة تتبع جذور المشكلة أو أصلها ومعانتها مع التشخيص فى عيادات الأطباء.

وقالت إنها كتبت هذا العمل خلال جائحة «كوفيد-19»، فكان انعكاسًا حيًا لتلك الفترة القلقة، حيث كانت معزولة عن الجميع، وتبذل جهودًا مضنية لتطعيم ابنهما، ويطغى عليها شعور بالغضب لم تعرف مثله من قبل، نقلًا عن صحيفة الجارديان.

ورغم أن موضوع الكتاب هو الألم والمعاناة الجسدية، إلا أن «نيلسون» لم تلتزم بموضوع واحد تمامًا كما فى كتبها السابقة مثل «جريمة» و «بلويتس»، حيث كانت تعمد للغوص فى قضايا متعددة؛ مثل: الأمومة، الرعاية، الشيخوخة، الوحدة، والموت؛ فأسلوبها المتنقل فى الزمن يطمس الحدود بين الواقع والحلم، بين التجربة الحقيقية والخيال الأدبى.

وطرحت «نيلسون» عبر الكتاب تساؤلاً عميقًا؛ ألا وهو لماذا يعانى البعض من ألم لا يُحتمل رغم أن حالتهم الطبية مشابهة لآخرين لا يشعرون بشىء؟ وفى حالتها الشخصية، فقد أدركت المفارقة أن الألم مصدره الفم، الأداة الأساسية للكاتب، ومع انتشار الكمامات حينها، كانت تتأمل كيف أن الفم ليس مجرد عضو ناطق، بل وسيلة للتعبير عن المشاعر، بل ومكان جمالى أيضًا، كما يظهر فى مسرحية الكاتب الأيرلندى الشهير صمويل بيكيت بعنوان «لست أنا» أو لوحة الكاتب النرويجى «مونش» بعنوان «الصرخة».

وسردت المؤلفة عبر الكتاب تفاصيل عدة لكيفية الحياة مع ألم مزمن فى عصر جائحة «كوفيد- 19»، وفى محاولتها لفهم ذاتها، قرأت مقالات كثيرة عن كيف أن الجائحة «قتلت المصادفة» وألغت عنصر المفاجأة فى حياتنا.

وضم الكتاب فقرات قصيرة متكررة، تدور كلها حول محورية الألم، وتأثيره على نظرتها للعالم، وكيف وجدت أن برغم استمرار وعنف الألم لا يمكن للمرء أن يلغى دوره فى الحياة كأب وكشخص مسئول وذى التزامات فى المجتمع.

جدير بالذكر أن عنوان الكتاب مأخوذ من اللغة اليونانية القديمة ويعنى «التعلم من خلال المعاناة»، وهى فكرة لا تعنى حل لغز الألم بقدر ما تشير إلى إدراكه كجزء من التجربة الإنسانية، والكاتبة من خلال عرضها لمعاناتها، تدفعنا لتأمل معاناتنا الخاصة؛ فالألم الفردى يتحول إلى رمز جمعى ويذكّرنا بضرورة أن نعيش الحياة التى نملكها، رغم الآلام والهشاشة الجسدية أو التهديدات العالمية.