كيف يمكن أن تؤدي تعريفات ترامب الجمركية إلى زيادة تكلفة تطوير الذكاء الاصطناعي؟

تكبدت أسهم عدد من كبرى شركات الذكاء الاصطناعي خسائر ملحوظة خلال الأيام الماضية، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية شاملة على عدد من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، في خطوة أثارت قلق المستثمرين بشأن مستقبل القطاع.
ويأتي ذلك في وقت تضخ فيه الشركات الرائدة في هذا المجال استثمارات بمئات المليارات من الدولارات لإنشاء مراكز بيانات ضخمة تُستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وفقا لما نشرته مجلة “التايم” الأمريكية.
وبحسب عدد من المحللين، فإن الرسوم الجديدة من شأنها أن تُفاقم التكاليف المرتفعة أساساً لهذه البنية التحتية الحيوية، حيث يقول كريس ميلر، الباحث المتخصص ومؤلف كتاب حرب الشرائح، إن “التعريفات الجمركية ستجعل بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي أكثر تكلفة، نظراً لأن معظم الخوادم المستخدمة في هذه المراكز مستوردة، وستخضع لهذه الرسوم، على الأقل إلى حين إعادة هيكلة سلاسل التوريد”.
وأضاف أن هناك مكونات أخرى لا تقل أهمية، مثل أنظمة التبريد والطاقة، يتم استيرادها كذلك، ما يساهم في زيادة التكلفة الإجمالية للمشروعات، ورغم أن الرقائق الإلكترونية -وهي المكون الأساسي لمراكز البيانات- معفاة من التعريفات طالما أنها تُستورد كمنتجات مستقلة، إلا أن الغالبية العظمى منها تصل إلى الولايات المتحدة وهي مدمجة داخل منتجات مثل الخوادم، ما يجعلها خاضعة فعلياً للتعريفات.
ومن جهة مقابلة، تلقّى المستثمرين بعض الطمأنينة بداية الأسبوع، بعد صدور مذكرة تحليلية من ستايسي راسجون، المحللة لدى مؤسسة “بيرنشتاين ريسيرش”، أفادت فيها بأن معظم خوادم شركة “نفيديا” تُجمّع في المكسيك، وهو ما يجعلها مستثناة من الرسوم بموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين.
ووصفت راسجون ذلك بأنه جانب مشرق وسط تداعيات مقلقة، وأشارت إلى أنه لا تزال هناك بعض السبل التي يمكن أن تلجأ إليها الشركات لتجنّب الآثار الكاملة للتعريفات الجمركية، مضيفة: “لو لم توجد مثل هذه الحلول، فسنجد أنفسنا نحول الولايات المتحدة إلى أغلى مكان في العالم لبناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وهو أمر غير منطقي”.
ومع ذلك، لا تقتصر التكاليف المتزايدة على الخوادم فقط، بل تشمل أيضاً مواد البناء، وقطع الحواسيب، والبنية التحتية للطاقة والتبريد، ما قد يدفع بعض الشركات إلى التفكير في بناء مراكز بياناتها في الخارج.
ويقول لوكاس جانسن، من برنامج الأمن المدني للذكاء الاصطناعي، إن مراكز البيانات عادة ما تتركز في المناطق التي تكون فيها الطاقة منخفضة التكلفة، “وقد تصبح التعريفات الجمركية حافزاً إضافياً لنقل هذه المراكز خارج الولايات المتحدة”.
من جانبه، حذر ميلر من أن زيادة تكلفة بناء مراكز البيانات قد تُضعف موقف الولايات المتحدة في سباق التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي أمام الصين، قائلاً: “لقد كان من الصعب أصلاً توفير القدرة الكافية لمواكبة الصين، والآن ستصبح المهمة أكثر صعوبة بسبب هذه التكاليف الإضافية”.
وتابع، “الآثار على المدى القصير ستكون ملموسة، أما على المدى البعيد فالصورة لا تزال غير واضحة، خاصة في ظل احتمال استمرار تقلب معدلات الرسوم الجمركية، وهو ما يعوق قدرة الشركات على التخطيط بعيد المدى”.
وبالرغم من احتمال تقديم إعفاءات إضافية للتقليل من آثار هذه الرسوم، فإن التأثيرات الاقتصادية الكلية للحرب التجارية قد تفرض تحديات جديدة على شركات الذكاء الاصطناعي.
وتقول راسجون، إن القلق الأكبر حالياً يكمن في احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ما قد يؤدي إلى تراجع الإنفاق الإعلاني، ويؤثر في الشركات الكبرى الممولة لمشروعات الذكاء الاصطناعي.
وأضافت: “من المحتمل أن نشهد تراجعاً في الطلب على مراكز البيانات، فضلاً عن اضطرابات في سلاسل التوريد، لا يبدو أن هناك استراتيجية واضحة، بل الأمر أشبه بإلقاء قنبلة في السوق”.
ومع أن ارتفاع تكلفة إنشاء مراكز البيانات قد ينعكس على كُلفة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة زيادة في تكلفة استخدام الذكاء الاصطناعي بالنسبة للمستهلكين، فوفقاً لتقديرات مؤسسة “إيبوك إيه آي”، فإن تكلفة تشغيل النموذج الواحد تنخفض بمعدل أربعين ضعفاً سنوياً، بفضل التحسينات في الخوارزميات، وتطور العتاد، وشدة المنافسة.