الأوقاف تحدد نص خطبة الجمعة المقبلة

الأوقاف تحدد نص خطبة الجمعة المقبلة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة بعنوان: “كلمة أنا نور ونار”.

وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة توعية الجمهور بالفرق بين من يقول: أنا خير منكم، ومن يقول: أنا أمان لكم، علما بأن الخطبة الثانية تتناول التحذير البالغ من ظاهرة رشق القطارات بالحجارة.

وإلى نص الخطبة:

“الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وتاج رؤوسنا وقرة أعيننا وبهجة قلوبنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن كلمة أنا ترتبط في أذهاننا بالكبر والأنانية والعجب، وتذكرنا بكلمة إبليس المهلكة عندما قال: {أنا خير منه}، لكن انتبهوا أيها الكرام! إن كلمة أنا تأتي على نوعين، فالنوع الأول نوري تزخر فيه أنا بالنخوة والشهامة والنجدة والأمان، وأما النوع الآخر فهو ناري تمتلئ فيه أنا بالتعالي والغرور والزهو.

أيها الكرام، ما أجمل أن نكون من أهل أنا النورية فإنها عالية القدر، مرفوعة الذكر، يفوح منها عبق الأمان والمروءة والإكرام وبذل الخير لخلق الله، صاحب أنا النورية يمد يد العون للمحتاج، يغيث الملهوف، يفرج عن المكروب، صاحب الأنا النورية يحبه الله، ويحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض، ولم لا وقد نصب نفسه أمانا للناس وفداء لهم، أقام نفسه وحاله وماله وعياله في مقام الوراثة المحمدية الشريفة كلا والله! لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ، وها هو أنس بن مالك رضي الله عنه يصف لنا الحال النبوي الشريف: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا ، فهذه أنا النورية، ويوم حنين حين كانت الجولة للمشركين ينزل الجناب الأنور صلوات ربي وسلامه عليه من على بغلته، ويقاتلهم وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ، وهذه أنا النورية الميمونة؛ فتأملوا!

أيها المكرم، كن من أهل هذه الكلمة المباركة، فإن أنا النورية سبيل الأنبياء والأولياء وأهل الشهامة وأهل النخوة والنجدة، أرأيت هذه الكلمة التي قالها يوسف عليه السلام لأخيه؟! {ولـما دخلوا علىٰ يوسف آوىٰ إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون}، إنها أنا الخير والنور: أنا أخوك، أنا أمانك، أنا عضدك، أنا ظهرك، أنا سندك، أنا فداؤك، فلا تبتئس، لا تخف، ولا تحزن، فدمك دمي، وهمك همي، مصيرنا واحد، وأملنا سواء!

أيها النبيل، تأمل هذا البيان النبوي المبدع الذي لا نظير له أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة؛ أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني: مسجد المدينة- شهرا،… ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له؛ ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام ، فهل هناك بعد هذا البيان بيان؟! فها أنت تنال بسبب أنا النورية ثواب الاعتكاف في مسجد خير الأنام، والرضا والثبات يوم تزل الأقدام.

أيها المكرم، أما أنا النارية فاحذرها؛ فإنها تقوم على حالة زهو زائف، وإبليسية ملعونة، ونظرات استعلاء، واندفاع طائش، وحماس أهوج، وأنانية مفرطة، ونفس مستكبرة، صاحبها لا يقدم للناس نفعا، ولا يكشف عنهم ضرا، ولا يساعد لله خلقا، بل إنه صدامي، استعلائي، تخريبي، شعاره نفسي نفسي ؛ ولذلك استحق صاحبها هذا الوعيد الإلهي الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما، قذفته في النار .

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلقد أفزع مجتمعنا ظاهرة خطيرة غريبة عن تديننا وتراثنا وأعرافنا، ألا وهي رشق القطارات بالحجارة، وطالعنا بقلوب يعتصرها الألم صورة طفلة بريئة من ذوي الهمم تصاب إصابات بالغة جراء هذا الصنيع العدواني الإجرامي، وكأن هذا الذي وقع في جريمة رشق القطارات لا يعلم أن الإسلام قيد أيدينا وجعل لها أدبا، فقال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، أليست القطارات وسيلة خير تحمل الناس إلى مصالحهم وإلى بيوتهم؟! أوليس الاعتداء علَيهَا اعتدَاء عَلَى حرمَة نفوس النَاس؟! أَلَم يَقل لَنَا الحَبيب صَلَى الله عَلَيه وَسَلَمَ في حَجَة الوَدَاع: إنَ دماءَكم وأَموالَكم وأَعراضَكم علَيكم حَرام، كَحرمَة يَومكم هذا، في بَلَدكم هذا، في شَهركم هذا.

أَيهَا النَاس، اعلَموا أَنَ المسلمَ لَا يَكون مفسدا معتَديا، بَل إنَه نَبيل خَلوق يَحمل الخَيرَ وَالأَمَانَ للدنيَا، يحَافظ عَلَى أَروَاح النَاس وَسَلَامَتهم، يَصون المَرَافقَ العَامَةَ وَممتَلَكَات الوَطَن وَالموَاطنينَ، وَيَعلَم أَنَ التَعَديَ عَلَيهَا جَريمَة تَحمل جملَة منَ المَظَالم، فَهوَ اعتدَاء عَلَى حَق الدَولَة، وَاعتدَاء عَلَى حَق الأَفرَاد، وَاستهتَار بسَلَامَتهم بَل وَبحَيَاتهم، وَإن شئتَ فَاقرَأ أَيهَا المَكَرَم نَهيَ الحَق سبحَانَه عَن الفَسَاد وَالاعتدَاء في قَوله: {وَلَا تفسدوا في الأَرض بَعدَ إصلَاحهَا}، وَقَوله سبحَانَه: {وَلا تَبغ الفَسَادَ في الأَرض إنَ اللَهَ لا يحب المـفسدينَ}، وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تَعتَدوا إنَ اللَهَ لَا يحب المـعتَدينَ}.

عبَادَ الله، اعلَموا أَنَ الوَعيَ بحَق النَاس في الحَيَاة وَالسَلَامَة وَالأَمَان يجَنبنَا هَذه الظَوَاهرَ السَلبيَةَ، فَحَافظوا عَلَى أَمَانَة الحَيَاة وَمَا فيهَا من نفوس وَخدمَات، وَاعلَموا أَنَ الحفَاظَ عَلَى القطَارَات وَصيَانَتَهَا يَحفَظ مرتَاديهَا وَيَصون نفوسَهم”.