لانا، طفلة فلسطينية تأثرت بالإبادة الإسرائيلية: بدأ ظهور البقع البيضاء على جسدي بسبب الخوف من القصف المتواصل.

ـ الطفلة لانا الشريف تعاني انتشار بقع بيضاء على جسدها منذ أكثر من عام ونصف جراء إصابتها بحالة هلع إثر قصف إسرائيلي قريب وسط ترجيح الأطباء إصابتها بمرض “البهاق”
ـ والد الطفلة خليل الشريف: لانا تمر بمعاناة مركبة جراء إصابتها بالمرض وأثره النفسي عليها وانتقاد الآخرين لشكلها وتعرضها لسوء تغذية جراء المجاعة
داخل خيمة مهترئة على أطراف أحد مخيمات النزوح بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، تجلس الطفلة الفلسطينية “لانا الشريف” متشبثة بما تبقى من طفولتها بعد 19 شهرا من حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل عاشت خلالها صدمات قاسية وأفقدتها معظم حقوقها.
فلم ينجح القميص الوردي الذي ترتديه الشريف وطبع عليه شخصية “ميكي ماوس” الكرتونية في إضفاء قليل من الفرحة على ملامحها التي بدت مثقلة بالحزن بعدما وُشم جسدها بندوب بيضاء أشبه بمرض “البهاق”، وفق تقدير أطباء بغزة.
وعبر مرآة صغيرة، تتأمل الطفلة الشريف شكلها الذي غيرته حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة إذ غزا شعرها “الشيب الأبيض” وهي لم تتجاوز سنواتها الـ10 بسبب تعرضها للخوف الشديد.
وتقول لانا للأناضول بصوت يلفه الحزن: “كنت قبل الحرب حلوة”، في إشارة إلى تأثر حالتها النفسية بهذا المرض الذي لم يستجب للعلاج بغزة، معربة عن أملها السفر للخارج لاستعادة ملامحها الطفولية، كما أكد لها أطباء حاجتها إلى ذلك.
والأسبوع الماضي، قالت متحدثة منظمة الصحة العالمية مارجريت هاريس، في تصريحات نقلها بيان لوكالة الأونروا الأممية، إن أكثر من 10 آلاف و500 مريض في غزة بحاجة لإجلاء طبي عاجل، بينهم 4 آلاف طفل، تحول الإبادة الإسرائيلية المتواصلة دون مغادرتهم من القطاع.
وتواصل إسرائيل حرب إبادة واسعة ضد فلسطينيي قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023 بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت تلك الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
إصابة تدريجية
وتقول الطفلة الشريف، إن هذه البقع بدأت الظهور تدريجيا على جسدها قبل عام ونصف حينما قصفت مقاتلات إسرائيلية منزلا مجاورا لبيتها في مدينة رفح جنوب القطاع.
وأضافت أنه بعد يومين من القصف ظهرت على وجهها أول بقعتين بلون أبيض، بعدما تعرضت لحالة خوف شديد جراء القصف الإسرائيلي.
وفي وقت لاحق، تعرضت الطفلة الشريف لحالة هلع أخرى تسببت بزيادة البقع البيضاء على جسدها، ومن ثم انتشارها في ظل عدم استجابة حالتها للأدوية التي وصفها أطباء.
-حالة نفسية
هذه الحرب لم تترك ندوبا على جسد الطفلة ووجهها فحسب، بل دفعتها أيضا إلى العيش في خيمة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة وسط ظروف إنسانية متردية.
وهي تجلس داخل الخيمة، تقول الشريف، إنها جميلة وتهوى الرسم “فترسم الأشجار والزهور على الورق” رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها.
وتهرب الشريف بالرسم من الوضع النفسي الصعب الذي خلفه هذا المرض والبقع البيضاء، إذ إنها تتعرض لسخرية من زملائها في الخارج.
وتضيف: “هذه البقع جعلت زملائي في المخيم يسخرون مني، فأصبحت أشعر بالحزن وأبكي كثيرا”.
وأعربت عن أملها العودة إلى المنزل وانتهاء حرب الإبادة قريبا، فضلا عن شفائها من هذا المرض الذي غيّر ملامحها الجميلة.
وأشارت إلى أمنيتها بالسفر من أجل تلقي العلاج المناسب الذي حرمت منه في غزة جراء تدمير إسرائيل للمستشفيات وإغلاقها للمعابر ومنعها دخول الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية.
-مرض البهاق
بدوره، يقول خليل الشريف، والد الطفلة، إن هذا المرض بدأ مع لانا جراء إصابتها بالهلع إثر قصف إسرائيلي مجاور لمنزلهم في مدينة رفح قبل عام ونصف.
وتابع للأناضول: “بعد يومين من القصف ظهرت بقعتان بيضاء، ومن ثم انتشر المرض”.
وأوضح أن الأطباء رجحوا أن تكون هذه البقع ناجمة عن إصابة الطفلة الشريف بمرض “البهاق”، لكن الأعراض لا تتطابق مع ذلك، دون إشارته لأعراض صحية أخرى.
وذكر أن الطفلة لم تستجب للأدوية والعلاجات في غزة، لافتا إلى أنها وفق قول الأطباء تعاني “حالة نادرة” تستدعي السفر للعلاج بالخارج.
معاناة مركبة
وعن الوضع الصحي للطفلة، يقول الشريف، إن لانا تعاني جراء اجتماع عدة عوامل منها وضعها النفسي الصعب جراء إصابتها بهذا المرض يضاف إليه نقص العلاج وتعرضها لسوء تغذية بسبب المجاعة المنتشرة في القطاع.
ويضيف أن لانا بعد أن كانت مليئة بالحياة والحيوية قبل الحرب، أصبحت اليوم طفلة منطوية ترفض الحديث مع الآخرين، ويشير إلى أنها تتعرض لانتقادات من الآخرين بسبب التغيرات المرضية التي طرأت على شكلها وانتشار الشيب في شعرها.
إلى جانب ذلك، فقد تأثرت الطفلة الشريف بالحياة الصعبة في خيام النزوح، إذ باتت تمضي معظم أوقاتها بين طوابير الحصول على مياه أو وجبات طعام مجانية من التكايا، وفق قوله.
وتابع أنها أصبحت تقضي وقتها يوميا بين الحصول على مياه أو طعام تعجز العائلة عن توفيره جراء الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به بسبب تواصل الإبادة الإسرائيلية.
وأكد أن هذه الظروف القاسية مع سوء التغذية الذي تمر به كسائر سكان القطاع يضاعف حالة الهزال التي تعانيها، فضلا عن وضعها النفسي بسبب المرض والحرب.
وحذر تقرير دولي من أن كل الفلسطينيين بقطاع غزة يواجهون خطر مجاعة جماعية، مع توقّع أن يواجه نحو نصف مليون شخص “جوعًا كارثيًا”، وهي المرحلة الخامسة والأشد في تصنيف انعدام الأمن الغذائي.
وأرجع تقرير “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” الذي شاركت في إعداده 17 وكالة إنسانية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية، ذلك إلى تصاعد الإبادة الجماعية الإسرائيلية، واستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والدواء إلى القطاع.
ومنذ 2 مارس الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90% من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون داخل ملاجئ مكتظة أو في العراء، ما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة.