صالون إضاءات يناقش أهمية الملكية الفكرية في حماية الابتكارات الجديدة

في عصرنا الحالي، لم يعد امتلاك الفكرة وحده كافيًا لضمان استدامتها؛ فالتوثيق والتسجيل أصبحا الركيزة التي تؤمِّن بقاءها.
تتجاوز الملكية الفكرية هنا حدود كونها مجرد إطار قانوني جامد، لتتحول إلى وعاء مجتمعي نابض، تتحول فيه الفكرة من مجرد ومضة عابرة إلى إرث خالد يحفظ حقوق صاحبها ويعزز مكانته في تاريخ الأجيال.
بهذا الوعي العميق، انطلقت ندوة صالون “إضاءات” الثقافي، لمناقشة واحدة من أكثر القضايا حساسية وتأثيرًا في حاضر مصر ومستقبلها، وهي قضية الملكية الفكرية، كأداة لحماية الإبداع وتحفيز الابتكار، وتحقيق السيادة المعرفية.
ونظم الندوة الإعلامي والمهندس أحمد العصار، مقدم برنامج “حوار عن قرب” على قناة TeN، وبمشاركة المتحدث الرئيسي، رئيس مجلس إدارة الجهاز المصري للملكية الفكرية أ.د هشام عزمي، الذي استعرض بخطاب تحليلي شامل رحلة مصر الطويلة مع قوانين الملكية الفكرية، وتحولاتها الكبرى، من البدايات القانونية إلى التأسيس الاستراتيجي والمؤسسي في عام 2022.
جاء ذلك وسط حضور عدد من الشخصيات البارزة في صالون “إضاءات” الثقافي، مثل:
د. منى يحيى، نائب رئيس الجهاز المصري للملكية الفكرية، والأنبا إرميا، الأسقف العام للكنيسة الأرثوذكسية ورئيس المجلس الثقافي الأرثوذكسي، واللواء أحمد عبد الله، محافظ البحر الأحمر الأسبق، ود. هشام بدر، نائب رئيس هيئة الشراء الموحد بوزارة الصحة.
كما شارك في الفعالية كل من د. هشام العلايلي، رئيس جهاز تنظيم الاتصالات الأسبق، وأ. خالد محمد، مدير حماية العلامات التجارية بشركة يونيليفر، ود. يسري نوار، رئيس شركة فايزر مصر السابق، والأب رفيق جريش، كاهن كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك وعضو مجلس كنائس مصر ورئيس اللجنة الإعلامية لبيت العائلة المصري، ود. محمد توفيق، نائب رئيس قطاع التدريب بوزارة الإنتاج الحربي، وأ. إسراء ممدوح، الصحفية في بوابة أخبار اليوم.
كما كان هناك تمثيل من شركة المقاولون العرب، والشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات “فاكسيرا”، ووزارة الاتصالات، ووزارة التموين، والأكاديمية الوطنية للتدريب، ومكتب الأبراشي وديرماكار للمحاماة، وشركة “أكديما” العربية القابضة للصناعات الدوائية، وهيئة الشراء الموحد بوزارة الصحة.
◄ من قانون 1939 إلى استراتيجية 2022
في حديثه، أشار د. هشام إلى أن مصر كانت من أوائل الدول التي سنت قوانين لحماية الإبداع بدءًا من عام 1939، تلتها صدور قوانين لبراءات الاختراع وحقوق المؤلف في العقود التالية، لكن هذا التعدد ظل مفتتًا حتى جاء القانون رقم 82 لسنة 2002 ليجمعها تحت مظلة موحدة، وكانت مصر بحاجة إلى رؤية شاملة، وهو ما تحقق بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في 2022، التي وضعت إطارًا متكاملًا لحوكمة الملف على مختلف الأصعدة.
أوضح د. هشام عزمي أن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية جاء استجابة لثلاثة دوافع كبرى:
أولًا: دستوريًا، حيث نص دستور 2014 لأول مرة على حماية حقوق الملكية الفكرية بشكل صريح.
ثانيًا: مجتمعيًا، لضمان حماية حقوق الفنانين والمخترعين من القرصنة والتعدي.
ثالثًا: دوليًا، استجابةً لالتزامات مصر باتفاقيات دولية، أبرزها مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO).
وأشار رئيس مجلس إدارة الجهاز المصري للملكية الفكرية إلى أن التحدي لم يكن في إصدار استراتيجية فقط، بل في بناء كيان مؤسسي قادر على تنفيذها، وهكذا، تم تأسيس الجهاز المصري للملكية الفكرية في سبتمبر 2022، ليكون الكيان الوطني المعني بتسجيل الحقوق، وتنظيمها، وتطوير الوعي بها، وفقًا لرؤية مصر 2030، وأهداف التنمية المستدامة، ومعايير الوايبو وتجارب دول مثيلة.
◄ ماذا تريد مصر خلال 5 سنوات؟
عرض د. هشام عزمي أهداف استراتيجية 2022–2027، مُوضحًا أنها تسعى إلى:
تحديث القوانين والتشريعات بما يواكب التطور الرقمي.
نشر الوعي المجتمعي بمفهوم الملكية الفكرية.
بناء قاعدة بيانات دقيقة وحديثة.
تعزيز التحول الرقمي والحوكمة الذكية.
دعم الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
◄ العلامات التجارية.. هوية اقتصادية وحصن قانوني
وقد تطرقت ندوة صالون “إضاءات”، لدور العلامات التجارية الحيوي في حماية الحقوق وتعزيز الاستدامة الاقتصادية، فهي تُعد من أقوى أدوات الحماية في منظومة الملكية الفكرية، حيث تمثل هوية بصرية وقيمة اقتصادية لأي منتج أو خدمة، وتُبنى الثقة بين المستهلك والمؤسسة، ومع تطور الأسواق، أصبحت رأس مال غير ملموس يفتح آفاقًا للتنافس ويُسهم في دعم الاقتصاد المعرفي.
◄ فجوة الوعي ونقص البيانات
وحذر د. عزمي من أن نقص الوعي المجتمعي والبيانات الدقيقة يُمثلان أكبر عقبتين تواجهان الاستراتيجية.
وقال: “إن الملكية الفكرية لا تحمي الفكرة فقط، بل تحمي ما يتجسد منها، ولهذا فإن الوعي بأهمية التسجيل والحماية لا يقل أهمية عن صدور القانون نفسه”.
اختتم د. هشام عزمي كلمته برسالة واضحة: “القانون ليس نهاية الطريق، بل بدايته، ما لم يترافق مع وعي شعبي، وثقافة مجتمعية تحترم الإبداع وتحميه، ستظل القوانين حبرًا على ورق”.
◄ «مداخلات الحضور».. كيف يمكن تحويل الأبحاث لتطبيقات عملية؟
في مداخلاتهم، ناقش الحاضرون عددًا من التحديات التي تواجه المنظومة، مثل ضرورة التنسيق بين البحث العلمي والصناعة، والحاجة إلى دعم مكاتب نقل التكنولوجيا داخل الجامعات، بما يضمن تحويل الأبحاث إلى تطبيقات عملية.
كما أكدوا على ضرورة إدراج مفاهيم الابتكار وحماية الحقوق في المناهج الجامعية.
ولم تغب الصناعات الإبداعية عن النقاش، إذ شدد المتحدثون على أهمية حماية الفنانين والمبدعين من قرصنة الأعمال، وضرورة تطبيق القانون بشكل فعال لضمان استدامة الإنتاج الثقافي، في بيئة تحفز لا تقيّد.
وخلصت المناقشات إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، وقد تم التأكيد على أهمية تكامل هذه الأطراف من خلال حملات توعية فعّالة، وبرامج تدريبية، وتوفير أدوات ميسّرة لتسجيل الحقوق، بحيث يشعر كل مبدع أن فكرته محمية وموثقة في إطار نظام قانوني عادل يدعم الإبداع ويشجع على الابتكار المستدام.