خبراء يكشفون لـ«الشروق» التغيرات التى طرأت على شخصية الشرير فى الدراما المعاصرة
د جمال فرويز: الأعمال الجديدة لم تعد ترسم ملامح الشرير بصورته المطلقة.. ولا وجود لشخصيات شيطانية أو مثالية بالكامل
د. هالة منصور: الأعمال الدرامية الحالية تؤسس لمجتمع يبرر التعاطف مع النماذج المنحرفة بإبراز جانبها الإنسانى
د. فتحى قناوى: ظهور الشرير بصورة إنسان مظلوم ينال حقه فى النهاية يرسخ لمفاهيم خاطئة
شهد الموسم الرمضانى هذا العام تنوعا لافتا فى تجسيد شخصية الشرير، حيث تمكنت بصورها المختلفة من جذب انتباه الجمهور، وإثارة اهتمامهم، بل وحتى كسب تعاطفهم، إلى الحد الذى دفع البعض إلى تبرير تصرفاتها، والدفاع عنها، بدلا من الشعور بالكره والاستياء تجاه أفعالها.
هذا التحول أثار العديد من التساؤلات، أبرزها: ما التغيرات التى طرأت على صورة الشرير فى الدراما خلال السنوات الأخيرة؟، وهل باتت هذه الشخصيات تعكس الواقع الحقيقى، أم أن هناك قدرًا من المبالغة فى تقديمها على الشاشة؟
وفى محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، تواصلت «الشروق» مع عدد من الخبراء فى علم النفس والاجتماع، لنرصد آراءهم وتحليلاتهم فى التقرير التالى:
الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية، يرى أن الدراما الحديثة لم تعد ترسم ملامح الشرير بصورته المطلقة، بل باتت تضعه فى إطار أكثر إنسانية، فشخصية «أسعد» التى قدمها الفنان محمد دياب فى مسلسل «قلبى ومفتاحه»، على الرغم من انخراطها فى أفعال خاطئة، مثل شرب الخمر، إلا أنه فى الوقت ذاته يوزع الزكاة، ويساعد المحتاجين. وكذلك فى مسلسل «ولاد الشمس»، نجد أن الشخصيتين الرئيسيتين فى العمل، وهما «ولعة» الذى يلعب دوره الفنان أحمد مالك، و«مفتاح» الذى يجسده الفنان طه دسوقى، يمارسان العنف فى كثير من المواقف، لكنهما يحرصان على إطعام وتعليم بقية الفتيان فى دار الأيتام، إذ يعتبرونهم بمثابة إخوتهم.
وبحسب فرويز، فإن هذه النماذج تعد انعكاسًا واقعيًا؛ لأن البشر جميعهم يحملون بداخلهم مزيجًا من الخير والشر، ولا وجود لشخصيات مثالية أو شيطانية بالكامل.
أما الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع، فكان لها رأى آخر، إذ حذرت من أن الشر لم يعد محصورًا فى شخصية واحدة ضمن العمل الدرامى، بل أصبح حالة عامة تطغى على جميع الشخصيات، مشيرة إلى أن الدراما المعاصرة أصبحت تعتمد على مشاهد العنف اللفظى والجسدى بشكل أساسى ومباشر، وتخلت عن الرمزية التى كانت تميز الأعمال قديما.
وتابعت منصور أنه لم يعد هناك ما يردع هذه المشاهد لا دينًا ولا أخلاقًا، حتى صار القتل والتآمر والبلطجة سلوكا متكررا، بل ومبررا أحيانا داخل سياق الأحداث.
وأكدت أن الأعمال الدرامية الحالية تؤسس لمجتمع يبرر الشر، ويتعاطف مع النماذج المنحرفة فقط لأن لها جانبًا إنسانيًا، وهو ما تجلى فى شخصيات مثل «رجب الجريتلى»، التى قدمها الفنان ماجد المصرى فى مسلسل «إش إش»، إذ حظى بإعجاب الجمهور رغم سلوكياته الفاسدة.
وقال الدكتور فتحى قناوى، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية إن الدراما الحديثة لم تعد تسعى لتقديم رسائل هادفة بقدر ما تركز على جانبى التشويق والتسويق، ولو كان ذلك على حساب تشويه الواقع وتخدير الوعى.
وانتقد قناوى ظهور الشرير فى الحقبة الأخيرة بصورة إنسان مظلوم ينال حقه فى النهاية، مؤكدًا أن ذلك يرسخ مفاهيم خاطئة، ويحول المشاهد من متفرج إلى متعاطف مع الجانى، وهو ما يتعارض تمامًا مع القيم الدينية والأخلاقية التى تدعو إلى التسامح أو اللجوء للقانون، لا حمل السلاح وممارسة البلطجة.
وشدد على أهمية عودة الدراما لأداء دورها التوعوى البناء، تقدم قصة تحمل هدفًا، وتطرح مشكلة وتعرض حلاً، لا أن تنقل العنف دون معالجة، وتجمل صورة المجرم، وتهمش القانون.