من جدران الجامعة إلى جداريات المدينة: «علي ومها» ثنائي يتجسد في لوحاتهم قصص الحياة بألوانها المتنوعة

من جدران الجامعة إلى جداريات المدينة: «علي ومها» ثنائي يتجسد في لوحاتهم قصص الحياة بألوانها المتنوعة

“فكرتنا بدأت عام 2009 في الكلية، وتعمقنا في دراسة الفن، من خلال إثقال ذلك بمواد علمية تتحدث عن فن الجداريات، وهو ما كان موجودًا منذ القدماء المصريين مروراً بالحضارات والعصور المختلفة”.. هكذا بدأت قصة “علي عبدالفتاح” و”مها جميل” من الدراسة حتى الزواج.. تلك القصة التي تزينها بهجة الفن والألوان، حيث كانا من أوائل دفعة كلية الفنون الجميلة وتخرجا وأكملا مسيرتهما في تحويل شوارع وميادين أسوان إلى لوحة فنية.

ثم انتقلا إلى جميع محافظات مصر كي يتركا بصمة من روحهم في كل جدارية، وقررا الثنائي أن يقترن اسميهما ببعضهما في الفن التشكيلي وتميزا في رسومات الجداريات التي تعكس طبيعة وتراث المكان المحيط بالرسومات.

 

وقالت مها جميل في حديثها إلى “الشروق”: “قبل تنفيذ الفكرة على أرض الواقع اطلعنا على فناني العالم وكيف يجسدون رسوماتهم، وتأثرنا بفن الجداريات في ألمانيا خاصة ما تم رسمه على سور برلين قبل هدمه، حتى أنهم بعد هدمه استقطعوا الأجزاء المرسومة من السور واحتفظوا بها ووضعوها في ميدان.”

وتابعت، “بعد تشجيع من أسرتي وزوجي تقدمت بطلب للمحافظ وتمت الموافقة عليه بكل الطلبات والخامات والتسهيلات والأمن والحراسة، حيث كان من الصعب على أي فتاة في الصعيد أن ترسم في الشارع بسبب العادات والتقاليد، لذلك أردت دائما أن أكسر ذلك الحاجز المجتمعي”.

 

وأضافت، “ومنذ ما يقرب من 15 عاما نجحت في تحقيق ذلك، حيث بدأت الناس تستوعب الفكرة تدريجيًا لدرجة أنني لاحظت تشجيع الأهالي لأولادهم اللذين يمتلكون الموهبة بالنزول أيضا والتعبير عن فنهم، والمشاركة في الرسم”، متابعة “الناس باتت تستشعر غيابنا، وكثيرا ما تفاعل الجمهور معنا بالتحية أو بتقديم بعض الوجبات والمشروبات لهم أثناء عملهما”.

-الانطلاق من جداريات الحضانة حتى أسوان

أوضحت مها جميل، أن حكاية الجداريات بدأت بمجموعة من رسومات الأطفال وبعض شخصيات الكارتون والتي تتناسب مع جدارية حضانة، ثم أسسا مجموعة وأطلقا عليها “فن الشارع في أسوان”، وانطلقا في رسم الجداريات في الشوارع والميادين واشتركا مع الوحدة المحلية لمدينة أسوان في إعادة تغيير شكل أكشاك الكهرباء ودهانها والرسم عليها حتى تصبح لوحة مميزة تعكس طبيعة المكان وهويته الثقافية والسياحية.

وأكدت أنه في عام 2022 توسعا في فن الجداريات من خلال رسم حوالي 60 جدارية تعكس الفن النوبي ومجموعة من الفنون الأخرى مثل البدوي السيناوي والأفريقي في أسوان والفرعوني بالأقصر، بجانب طبيعة وتقاليد القبائل الأخرى الموجودة في المدن المختلفة بمصر، أيضا رسم المناظر الطبيعية والأطفال والمشاركة في مشروع الهوية البصرية من خلال إحدى الجمعيات الأهلية.

 

-حكاية الجداريات الأربع

وأردفت جميل، “إلى الآن وصلت الرسومات إلى ما يقرب من 500 جدارية، آخرها الجداريات الأربع في أسوان”، متابعة “تأتي العمارة الأولى بملامح الجد الذي يرتدي العمة والجلابية وتبرز مشاعر الحكمة والتاريخ والمشقة والتعب والأصالة بشكل يجعلك تريد أن تجلس بجانبه وتشتكي وتحكي، وفي الرسمة جزء من معبد أبي سمبل لتوصيل رسالة أنه هو حارس التاريخ والمعابد والعادات والتقاليد”.

 

وتابعت، “أما العمارة الثانية تأتي بملامح بنت نوبية صعيدية فلاحة ذات لون قمحاوي لأنها أكثر درجة تشتهر بها مصر، تتميز بملامح أصيلة من بيوت عصرية وابتسامتها البسيطة التي تعبر عن روح المصريين، مع إضافة لمسات من البيوت النوبية القديمة والحديثة”.

“أما العمارة الثالثة مهداة لبناة السد العالي وشباب أسوان الجدع والتي تعبر عن حماس الشباب وتبرز صفات الفرسان من الشجاعة وحب الوطن، والرابعة هي عمارة المستقبل من خلال رسم طفلة والتعبير عن طبيعة أسوان والنيل والمراكب الشراعية ويأتي ذلك ضمن مشروع قومي مجتمعي سياحي من الدرجة الأولى”.

 

“الرسم ليس كلام، بل فن تستشعره”.. هكذا عبر “علي ومها” عن رؤيتهما لما يقدماه، ويطمحان إلى أن يصبح ما يقدماه بمثابة معرض مفتوح حتى يدخل الفن ويترسخ في حياتنا ويصبح جزءًا منا جميعا، فضلًا عن تشجيع السياحة الفنية والانتقال من فكرة الرسم السياسي إلى رسم مُبهج يغير فكر المجتمع.

وأشارت مها إلى أن أهم مشروعين بالنسبة لتاريخهما الفني منذ تخرجهما هما مشروع “برج المياه” وآخر مشروع الخاص بالجداريات الأربع؛ لأن لهما السبق فيه وقصتهما لم تُنفذ من قبل في الوطن العربي كله.

-تأثير الفن على المجتمع

ومن المواقف التي أثّرت فيها بشكل كبير كان مشاركتها في مبادرة “دوّي” التابعة لليونيسف، والتي كانت تهدف إلى رسم الأطفال والأمهات والمجتمع، حيث قابلت ولداً ملامحه سمراء وبسيطة، لكنه كان يتعرض للضرب والتنمر من قبل زملائه من دون رد فعل منه، واكتشفت بعد ذلك أن لديه مشكلة أيضاً في السمع، فالتقطت صورة له ثم رسمتها على جدارية، وبعدها وجدت زملاءه وأهالي المنطقة يرفعونه ويحتفون به كأنه مشهور، وتعاملوا معه بشكل إنساني كبير، وتقول مها إن هذا الأمر جعلها تبكي من الفرح، وأدركت حينها أن الفن يؤثر في المجتمع بشكل قوي، وذلك دفعها إلى التركيز بشكل أكبر على رسم الناس البسطاء أكثر من المشاهير.