محلل سياسي بريطاني: رسوم ترامب الجمركية ستدفع جنوب شرق آسيا للاقتراب بشكل غير مريح من الصين

محلل سياسي بريطاني: رسوم ترامب الجمركية ستدفع جنوب شرق آسيا للاقتراب بشكل غير مريح من الصين

أكد قادة دول جنوب شرق آسيا لفترة طويلة أنه لا ينبغي دفعهم للاختيار بين الولايات المتحدة والصين. وفي الواقع استفادت دول تجارية مثل ماليزيا وفيتنام من التنافس الصيني الأمريكي المتصاعد خلال الاعوام القليلة الماضية، حيث تم اجتذاب المصنعين الحريصين على الابتعاد عن الصين من أجل التمكن من الوصول إلى السوق الأمريكية.

وقال المحلل السياسي البريطاني بن بلاند، مدير برنامج آسيا والمحيط الهاديء في معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) في تقرير للمعهد، إن بكين كانت لفترة طويلة الهدف الرئيسي لانتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بالتجارة. ومع ذلك، فقد ضربت ما تسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضها ترامب، في الثاني من أبريل الجاري، منطقة جنوب شرق آسيا بشكل خاص، حيث دفعت الخطط الاقتصادية قصيرة الأجل لتلك الدول إلى حالة من الفوضي، وقوضت أسس نماذج التنمية طويلة الأجل الخاصة بها، ودفعتها إلى مزيد من التقارب غير المريح مع الصين، أكبر شريك تجاري لها.

وقال بلاند إن حكومات دول جنوب شرق آسيا أصيب بصدمة بسبب استهدافها بنسب رسوم جمركية مماثلة أو أعلى من نسبة الـ34% التي فرضت على السلع الصينية، حيث تم فرض تعريفات على كمبوديا بنسبة (49%) وفيتنام بنسبة (46%) وإندونيسيا بنسبة (32%). ويشعر العديد من المسؤولين الإقليميين بأنهم يتعرضون لعقوبات غير عادلة لمساعدتهم الشركات الأمريكية على نقل إنتاجها خارج الصين، بما يتماشى مع دعوة واشنطن إلى تقليل المخاطر بالنسبة لسلاسل التوريد الأمريكية.

وعلى الرغم من شكوى بكين بشأن التأثير على اقتصادها، فهي تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية من أخطاء ترامب. وتضع الصين نفسها أمام جنوب شرق آسيا وبقية العالم كمدافعة مسؤولة عن نظام التجارة العالمي والنظام القائم على القواعد، على عكس السياسة الأحادية والإكراه الاقتصادي من جانب الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يؤكد شي جين بينج، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، هذه الرسالة إذا قرر المضي قدما في زيارة محتملة إلى كل من كمبوديا وماليزيا وفيتنام في وقت لاحق من الشهر الجاري.

ومع مواجهة الصين وجيرانها خطر الإبعاد عن السوق الأمريكية، يرغب شي جين بينج في رؤية تكامل اقتصادي أكبر مع جنوب شرق آسيا ووصول أكبر للشركات الصينية إلى الأسواق. كما سيدفع شي رؤيته “آسيا للآسيويين”، والتي تهيمن فيها الصين ويتم تهميش الولايات المتحدة.

ويرى بلاند أن نظراء شي في جنوب شرق آسيا سيتقبلون العرض الاقتصادي، لكنهم سيكونون حذرين من التداعيات الاستراتيجية الأوسع نطاقا. ويشعر جنوب شرق آسيا بإحباط شديد إزاء الولايات المتحدة، إلا أن هناك قلقا مبررا بشأن رد بكين على تصاعد الحرب التجارية والتكنولوجية، وكيف ستؤثر على المنطقة.

ويخشى مسؤولو حكومات جنوب شرق آسيا والمصنعون المحليون من أن تغرق المصانع الصينية أسواقهم بسلع رخيصة، بحثا عن بدائل للسوق الأمريكية التي تفرض رسوما حمركية كبيرة. كما يخشون من أن بكين تمتلك القوة المالية لدعم صناعاتها خلال فترة الحرب التجارية، بينما ستعاني حكوماتهم من صعوبات، نظرا لأنها تعاني من ضغوط مالية.

وقال بلاند إن هؤلاء المسؤولين والمصنعين يخشون أيضا من أن يؤدي انهيار أوسع لنظام التجارة العالمية المفتوحة إلى إضرار لا يمكن إصلاحها بنماذج التنمية لديهم. وتعتمد جميع هذه النماذج على دمج الإنتاج مع الصين والتصدير إلى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما من الاقتصاديات المتقدمة.

وأشار بلاند إلى أن مسار الحرب التجارية والتكنولوجية في جنوب شرق آسيا ستكون له تداعيات عالمية كبرى. وعلى الرغم من أن الكتلة الإقليمية، وهي رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ليست متكاملة مثل الاتحاد الأوروبي، فإنها مجتمعة تشكل خامس أكبر اقتصاد في العالم، بعدد سكان يبلغ 680 مليون نسمة.

وقد أصبحت منطقة جنوب شرق آسيا حلقة وصل متزايدة الأهمية في سلاسل التوريد العالمية، حيث تنتج أشباه الموصلات لشركة “إنتل”، وأحذية رياضية راقية لشركة “نايكي”، وهواتف ذكية لشركة “سامسونج”، بالإضافة إلى سلع أخرى.

ومن الناحية الجيوسياسية، أصبحت المنطقة مركز المنافسة الرئيسي بين الصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. وتشكل الصراعات على الأراضي والمطالبات بالسيادة على مناطق في بحر الصين الجنوبي وتايوان طبيعة التنافس والتعاون الاقتصادي في المنطقة، والعكس صحيح. وسيتحدد حجم وطبيعة صعود الصين، من عدة جهات، من خلال علاقاتها مع جيرانها الآسيويين.

ويتولى أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، وقد أدلى بتصريحات صائبة، حيث قال إن دول جنوب شرق آسيا ستتواصل مع إدارة ترامب للتفاوض معا، مع السعي إلى تنويع علاقاتها التجارية ولا تقتصر على الولايات المتحدة.

لكن فيتنام، التي تعتمد اقتصاديا على الولايات المتحدة أكثر من العديد من جيرانها، حاولت بالفعل إبرام اتفاقها الخاص مع البيت الأبيض- مما يعكس سياسة “إفقار الجار” الاحادية التي اتسمت بها ردود فعل الدول الأخرى على رسوم ترامب الجمركية، والتي تعني تحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الدول المجاورة.

وسيتعين على حكومات جنوب شرق آسيا الاستماع إلى نصيحة أنور بالتعاون معا إذا أرادت حماية نفسها من الولايات المتحدة التي لا يمكن التنبؤ بسلوكها وتجنب الدخول أكثر في علاقات اقتصادية غير متوازنة مع الصين.

ويرى بلاند أنه من غير المرجح أن تتوصل تلك الدول إلى موقف تفاوضي مشترك بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية، إلا أن قادة جنوب شرق آسيا يستطيعون بذل المزيد من الجهود لتعزيز التجارة بين بعضها البعض. وقد يشمل هذا إزالة الحواجز غير الجمركية من خلال تنسيق اللوائح بشكل أفضل وتحسين الاتصال عبر الحدود وتسهيل تكامل الصناعات الرقمية الناشئة.

وأشار إلى أنه حتى لو لم تتمكن الحكومات من الاتفاق على تدابير على مستوى المنطقة، فيجب عليها أيضا أن تعمل على تسريع الإصلاحات الاقتصادية المحلية لتقليص العديد من العراقيل أمام القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي وزيادة الإنتاجية.

وكما هو الحال في مناطق أخرى من العالم، ستحتاج حكومات جنوب شرق آسيا إلى أن تعيد بجدية تقييم افتراضاتها بشأن اتجاه الاقتصاد العالمي والنظام متعدد الأطراف. وقد كان أنور محقا عندما قال إن انهيار النظام الحالي “يتجاوز الخيارات السياسية لأي دولة بمفردها”. فهو لا يحدث بسبب ترامب وشي فحسب، ولكن بسبب تحولات أوسع في المجتمع والتكنولوجيا والسياسة.

وفي حين أن القوى الصغيرة والمتوسطة في جنوب شرق آسيا لا تستطيع تحديد مستقبل المنطقة بمفردها، فإنها تمتلك القدرة على التأثير، وكذلك مجموعة واسعة من الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية، ولكن خياراتها تتضاءل.

واختتم بلاند تحليله بالقول إنه سيتعين علي دول جنوب شرق آسيا العمل بشكل أكثر قوة وذكاء من أجل الحفاظ على مساحة للمناورة بين القوتين العظميين والحفاظ على أدائها الاقتصادي المثير للإعجاب. وإلا فإن مقاومة قوة جاذبية الصين ستكون أكثر صعوبة.