هل يتعين أداء الحج عند توافر الاستطاعة أم يمكن تأجيله؟.. فتوى الإفتاء توضح

يقترب موسم الحج الذي جعله الله -تعالى- فرضا على كل مسلم مكلَّف مستطيع في العمر مرَّةً؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
ونبين في هذا التقرير، بعض الأمور التي تهم المسلمين حول ما يتعلق بالاستطاعة المالية، وعلاقتها بأداء فريضة الحج…
– ما حكم من مات غنيًا ولم يحج؟
ورد إلى دار الإفتاء، سؤال حول حكم من مات غنيا ولم يحج، وجاء نص السؤال كالتالي: “هل يجبُ الحجُّ بمجرد وجود الاستطاعة، أم يجوزُ التأجيل؟ وما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟”.
وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق، أنه يستحب للقادر على الحجّ ماليًّا وبدنيًّا المبادرةُ والتعجيلُ بأداء الفريضة، ويجوز له تأخيرُه إن غلب على ظنِّه السَّلامةُ والاستطاعةُ بعد ذلك، أما إن غلب على ظنه الموت بظهور المرض أو الهرم فيجب عليه أداء الفريضة على الفور.
وتابع: “أما من كان مستطيعًا لأداء الفريضة فماتَ قبل أدائها: فلا يخلو من أن يكونَ قد مات عن وصيَّةٍ وله ترِكَةٌ؛ فيُحَجُّ عنه وجوبًا من ثُلُث ماله على ما ذهب إليه الحنفيَّة والمالكيَّة، ومن جميعِ ماله على ما ذهب إليه الشافعيَّةُ والحنابلةُ”.
وأضاف: “أو يكون قد مات من غير وصيَّةٍ وكانت له ترِكَةٌ؛ فلا يلْزَمُ ورثَتَه الحجُّ عنه، بل يستحبُّ خروجًا من الخلاف، ومثله من مات ولم يكن له تركَةٌ ولم يوصِ”.
– الحج عن الميت من مال غيره
وسأل آخر حول حكم الحج عمن مات مستطيعًا، والحج عنه من غير ماله، حيث توفي رجل في الأربعينيات من عمره بعد إصابته بمرض السرطان وله زوجة وأولاد قُصَّر، ولم يؤدٍ فريضة الحج مع استطاعته وقدرته على أدائها، وبعد وفاته أدت إحدى أخواته بأداء فريضة الحج نيابةً عنه من مالها الخاص حتى تترك أمواله لأولاده القُصَّر.
وأجاب الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق، أنه يجوز شرعًا الحجُّ عن الميت؛ لأن الحج عبادةٌ تقبل الإنابة، ويستوي أن يكون ذلك بمقابلٍ أو بدون مقابل، ويشترط فيمَن يحج عن الميت أن يكون قد أدَّى فريضة الحج عن نفسه من قبل.
– هل يجوز استقطاع مبلغ من تركة المتوفي قبل توزيعها للحج عنه؟
وورد إلى دار الإفتاء، سؤال يقول: “توفي رجل وترك تركة بعد وفاته ولم يحج طيلة حياته حتى توفي، علمًا بأن التركة لم توزع حتى وقت طرح السؤال.. فهل يجب إجباريًّا استقطاع مبلغ من التركة لتكاليف الحج قبل توزيعها؟ وهل يعتبر ذلك دَيْنًا على المتوفى؟ وهل يجوز دفع تكلفة الحج إلى إحدى الجمعيات الشرعية المعتمدة لتحج عنه؟”.
وأجابت الإفتاء، بأنه من المقرر شرعًا أن الدين هو ما وجب في الذمة بدلًا عن شيءٍ آخر على سبيل المعاوضة: وهو نوعان: دَيْنٌ لله، ودينٌ للعباد، فدين الله هو الذي لا مُطالِب له من العباد؛ كدين الزكاة والكفارات.
وأداء فريضة الحج وإن كانت دَيْنًا لله فإنها لا تؤدى من التركة إلا إذا أوصى بها الميت قبل وفاته، وتنفذ مع الوصايا في حدود الثلث بعد أداء ديون العباد، وإن لم يوصِ بها سقطت بالموت على ما ذهب إليه الحنفية وبه أخذ القانون، إذ صرحت المذكرة التفسيرية، بأن المراد بالديون هي التي لها مُطالِبٌ من جهة العباد، أما ديون الله فلا تُطالَبُ بها التركة؛ أخذًا بمذهب الحنفية.
أما إذا وافق الورثة على أداء الحج عن مورثهم من تركته قبل تقسيمها فلا مانع من ذلك، ويجوز دفع تكلفة الحج إلى إحدى الجمعيات الشرعية المعتمدة لتحج عنه.
– الحج لمن عليه ديون مؤجلة
وسأل آخر “أُريدُ الحجَّ وعليَّ ديون مؤجلة نتيجةَ شراء شقة بالتقسيط.. فهل يجوز لي الحج أم أنه يجب عليَّ قضاء الدين أولًا؟”.
وأجابت الإفتاء، بأنه يجوز شرعًا لمن كان عليه دَيْنٌ مُؤجَّلٌ في صورة أقساطٍ أن يحج إذا اطمأن إلى أن أداء فريضة الحج لا يؤثر على سداد هذه الأقساط في أوقاتها المحددة لها سلفًا؛ كأن يتوفر له من المال ما يستطيع من خلاله الوفاء والسداد لهذا الدَّيْن حين يأتي أجلُه.
– حكم الاقتراض لتأدية فريضة الحج
ورد سؤال إلى دار الإفتاء، حول حكم الاقتراض من أجل تأدية فريضة الحج؟، وأجابت الإفتاء، بأنه لا يجب على المكلف الاقتراض للحج باتفاق الفقهاء، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في “المجموع شرح المهذب” (7/ 76، ط. دار الفكر): [لا يجب عليه استقراض مالٍ يحج به، بلا خلاف] اهـ.
فإذا كان المكلَّف باقتراضه للحج سيُحَمِّل نفسَه أو مَن يعول فوق الطاقة ويعرض نفسه أو مَن يعول للفتن وما لا يقدرون على تحمّله فيترجح في حقه القولُ بالحرمة.
أما إن كان تحصيل ما يَسُدّ به الدَّين سيُعَطِّله عن نوافل العبادات ومكارم الأخلاق ومعالي الأمور فيترجح في حقه القول بالكراهة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك وكان يغلب على ظنه السداد بلا ضررٍ عليه وعلى مَن يعول جاز له القرض بلا حرمة ولا كراهة.
وأوضحت أنه على كل حال ومع اختلاف الحكم الشرعي باختلاف حال المقترض: فإن الذي يحج من مالٍ اقترضه يكون له ثواب الحج بإذن الله تعالى، وتسقط عنه الفريضة إن كانت حجته هي حجة الإسلام.
– حكم الإنفاق من صندوق الجزاءات على الحج والعمرة للعاملين بإحدى الشركات
وورد سؤال آخر إلى الإفتاء حول حكم الإنفاق من صندوق الجزاءات على الحج والعمرة للعاملين بإحدى الشركات، وجاء نص السؤال كالتالي: “أنا أعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، ويوجد بها صندوق يُسَمَّى بصندوق الجزاءات، وهذا الصندوق من حقّ العاملين في الشركة، ويُنفق منه على الرحلات والمصايف.. فهل يجوز الإنفاق منه على رحلات الحج والعمرة؟”.
وأجاب الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق، أنه طالما الشركةَ بها صندوقٌ يُسَمَّى صندوق الجزاءات تُجْمَعُ فيه الأموال من العاملين المخالفين لقواعد وقوانين ونُظم العمل بالشركة نظيرَ تقصير بعض العاملين، وكان ذلك معلومًا لكل العاملين بالشركة، فإنَّ سياسة الثواب والعقاب من الأمور التي أقرَّتها الشريعة الإسلامية، ويصيرُ المال الذي جُمِعَ في هذا الصندوق ملكًا للشركة تتصرّف فيه كيف تشاء، فإذا ما أعطت الشركة بعض العاملين من هذا المال فإنَّ ذلك يكون من قبيل المباح شرعًا، ويصح أداء فريضة الحج والعمرة من هذا المال.