إقامة جلسة حوارية مع الكاتب عمار علي حسن حول روايته “ملحمة المطاريد” في نادي المعادي الأدبي.

إقامة جلسة حوارية مع الكاتب عمار علي حسن حول روايته “ملحمة المطاريد” في نادي المعادي الأدبي.

عقد نادي المعادي للأدب لقاء للكاتب عمار علي حسن مع قراء روايته “ملحمة المطاريد”، التي صدرت في ثلاثة أجزاء عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، فيما كان النادي نفسه ناقش من قبل روايتين هما “باب رزق” و”جبل الطير”، وفق تقليد يتبعه يعطي فرصة للكاتب كي ينصت إلى رأي القراء في نصوصه الأدبية.

واهتم القراء في كلماتهم بثلاثة أمور: “الأول يتعلق بتدفق السرد، بما جعل بعضهم ينتهي من القراءة في زمن يسير رغم ضخامة الرواية، والثاني هو اللغة السلسلة التي طرحت، عبر الوصف والحوار، المواقف والأفكار والمشاهد، بطريقة بسيطة لكنها عميقة في الوقت نفسه، أما الثالث فتعلق بكون هذا النص يبدو مفتوحًا على تأويلات عدة، وله ظاهر يختلف عن باطنه”.

وعلق الكاتب عمار على حسن، على نقطة النص يبدو مفتوحًا على تأويلات عدة: “الرواية لها ظاهر وباطن فعلًا، أو هكذا يمكن للتأويل أن يبين، الظاهر يتحدث عن صراع ممتد عبر قرون في ريف مصر، والباطن هو أن الرواية تجسد رحلة الإنسان كله، وربما قصة الخلق الجديد بعد طوفان “نوح” عليه السلام، وقد تكون الحديقة الغامضة الغريبة التي بدأت بها الرواية هي الفردوس، وقد يكون المجاذيب هم الطيبين الذي بقوا مع النبي “نوح” فوق ألواح ودُسر، ولكن جاء من صلبهم أشرار أيضًا”.

وتابع: “ربما تكون الرواية تصورًا للخلق وتاريخ الإنسان، إنه خدش في جدار العتمة والصمت والتيه الذي يلف الإنسان، الكادح كدحًا، والمكدود والمكبود دومًا”.

وأضاف: “هنا باطن آخر يتمثل في فكرة حنين المطرودين إلى العودة، وهو تدبير بشري ساكن في التاريخ، وشكل أحد تيمات كثير من الأعمال الروائية”.

فيما بدأ الحديث الكاتب حسام صابر مرسي، الذي أدار اللقاء، بحديث عن النهاية المفتوحة للرواية، والتي هي سمة في أعمال الكاتب، وعن البناء الدائري، الذي جعل الصراع داخل الرواية يعود في السطور الأخيرة من حيث بدأ، معبرًا في هذا عن طبيعة الحياة الإنسانية.

من جانبه قال الكاتب والإعلامي محمد موافي، إنه تمنى لو كان كاتب هذه الرواية، واصفا إياها بـ”عمل فاتن وقطعة من الفن الخالص، رغم انطوائه على معان إنسانية وتاريخية وتصورات فكرية، وأنه قد قرأه مرتين، وكتب عنه مقالين”.

ومضى: “هذه الرواية، إلى جانب أعمال الكاتب الأخرى سواء في الأدب أو الفكر أو الاجتماع السياسي، تجعلنا نضعه في مصاف الكبار من أدبائنا ومفكرينا، لكن “المعاصرة حجاب” والأغلبية منجذبة إلى الراحلين، وكأن الساحة تخلو من أمثالهم، وهذا ظلم وخطأ في آن.”

بدورها قالت القارئة بسمة البديوي، إنها انجذبت إلى الرواية بشدة، وتمنت ألا تنتهي، معربة عن تمنيها لو كان لها جزء رابع وخامس يغطي التاريخ الاجتماعي المصري المنسي في ريف الصعيد حتى أيامنا هذه.

وأضافت البديوي، إن الرواية تحمل أملًا عريضًا في أن الخروج من نفق التاريخ الذي نمر به ليس مستحيلًا، متماشية في هذا مع كثير من كتابات عمار التي تمنح الأمل حتى في أشد ساعات اليأس.

ورأت الدكتورة هبة شحاتة، أن الرواية كانت بالنسبة لها فرصة للتعرف على أشياء لم تكن على علم بها، خصوصًا ما كان يفعله الفيضان بالمصريين قبل إنشاء السد العالي، وأوضاع الفلاحين الصعبة تحت طائلة نظام الالتزام، وعسف السلطة المستمر، وعميلة استخراج الذهب من بطون الجبال، وحياة المطاريد فيها، وأحوال وجهاء الريف على مر التاريخ.

من جهته تطرق المهندس محمد طلبة، إلى سبب إطلاق عنوان “المطاريد” على الرواية، وعما إذا كان الكاتب قد فكر في عناوين أخرى، متحدثًا عن الإحساس المرتبط بالطرد حيث التهميش والاستبعاد وإخضاع الناس ليصبحوا مغلوبين على أمرهم، وكيف كشفت الرواية عن أن هذه ظاهرة مزمنة في مجتمعنا.

وعلق عمار علي: “كنت أفاضل بين عدة عناوين منها “المجاريح” و”الأجاويد” و”الغلابة” و”الدراويش”و”المطاريد”، لكن الأخير بدا أكثر جاذبية لي ولدار النشر، فاستقررت عليه، خاصة أنه يعبر عن الكثير من مصائر شخصيات الرواية، فضلًا عن طردهم عسف الملتزمين أو ارتكاب جرائم إلى الجبل، هناك من طردهم الفيضان من قراهم، وطردهم الفتوات الغاشمين من الحواري، وطردتهم الاحتلالات المتعاقبة من الوطن كله إلى المنافي، وهناك بالطبع عائلة الصوابر الذين طُردوا من القرية، وقبلهم طُرد بعض عائلة الجوابر، أي أن الطرد كان عاملًا مشتركًا بين الجميع”.

فيما دارت مداخلة سارة البدري حول بعض المعاني العميقة للرواية، فضلًا عن تدفق الحكي، وقدرة الكاتب على الحكي، إذ قالت “في ملحمة المطاريد، ولا تسألني لماذا؟ ـ فتشت في ذاتي عن شعوري بالصوابر، ورغبتي وأملي في عودتهم لمكانتهم، مثلما أفتش في عودة أمتنا إلى سابق مجدها، بعد أن أصبحت مستباحة، وصار السؤال الدهري الخاص بي ويعذبني وأثارته هذه الرواية بداخلي من جديد هو: هل سنعود؟”.

وركزت زهرة حازم، على الشخصيات النسائية في الرواية، ورأت أنها ذات دور مهم، واستطاعت أن تغير مجرى الحكاية، ضاربة أمثال ببديعة وسابا وهنية وحورية وعبلة: “استطاع الكاتب أن يتغلغل إلى أعماق المرأة ويفهم نفسيتها جيدًا، ثم جعلها تمارس دورًا أساسيًا وليس هامشيًا.”

لكن دينا العربي انتبهت إلى دور “المجاذيب” أو سكان الزاوية الواقعة فوق ربوة تتطل على القرية، والذين تعاقبوا عليها على مدار القرون، وقالت: “لعب هؤلاء دور من يهدي الناس إلى الرشد، ويطبب عوزهم في زمن الحاجة بسبب فيضان النيل أو الجفاف، وكانوا يساهمون في التصدي للظلم، كانت الزاوية نقطة ضوء مهم وسط العتمة.”

فيما أشادت علا قطب بأسلوب الرواية، وجاذبية الحكاية، قالت بسمة محمد “قرأت روايات عدها للكاتب، وأرى أن لديه قدرة على تضفير موضوعات عديدة بأسلوب مشوق، في رواياته ترى ظلالا لثقافة متعددة.

من جانبه تناول بلال عفيفي تماسك الرواية، وكيف أنها غزلت من نسيج واحد؟ وامتزجت وتدفقت وكأنها، على ضخامتها، قد كتبت في جلسة واحدة، مع أن نصها قابل لأكثر من تأويل.

يشار إلى أن “محلمة المطاريد” هي الرواية الرابعة عشر لعمار علي حسن، بجانب 8 مجموعات قصصية، ومسرحية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتان قصصيتان، وقصة للأطفال، وستة وعشرين كتابًا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف، وتُعد حول أعماله الأدبية 20 رسالة ماجستير، ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وكتبت عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى لغات عدة، وحصلت على جوائز.