كتاب ترامب أولا.. محاولة لفهم كيف يغيّر الرئيس الأمريكي الولايات المتحدة والعالم

يعد الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب هو أكثر رؤساء الولايات المتحدة إثارة للجدل فهو لا يكف عن الحديث والوعيد والتهديد، وهذا بجانب قوة الرئيس الأمريكى التى يأخذها من منصبه قد أعطى ترامب لنفسه مكانة أكبر فلقد أصبح نجما يصرح كل يوم، ويكتب تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعى، وتعطى تصريحاته النارية وقراراته العجيبة متابعة عالمية واسعة ودقيقة لكل ما يقوله أو يصرح به، فهنا ترامب الرئيس الذى دخل التاريخ كونه ثانى رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ينتخب لولاية ثانية بعد خسارته للانتخابات التى تلت ولايته الأولى، والذى أدين بعدها فى قضايا عديدة حتى وصل مرة ثانية للبيت الأبيض كأول رئيس أمريكى متهم.
ورغم نعت الناس لترامب بعدم العقلانية والتهور، ولكن ترامب ظاهرة تستحق الدراسة فعلا، وربما لفهم ما يفعله ترامب الآن من قرارت تؤثر على الاقتصاد العالمى، ومن دعمه للإبادة الإسرائيلية فى قطاع غزة، وتبنيه مشروع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، علينا الرجوع إلى ولايته الأولى ربما نلتمس شيئا يجعلنا نستوعب ما يحدث الآن، وذلك من خلال استعراض كتاب«ترامب أولا.. كيف يغير الرئيس الأمريكى أمريكا والعالم»، للكاتب الصحفى محمد المنشاوى والصادر عن دار الشروق فى أواخر عام 2020، وهو محاولة لدراسة ورصد المحطات المهمة فى رحلة صعود ترامب للبيت الأبيض فى انتخابات عام 2016، ومحاولة لفهم طبيعة قراراته فى ولايته الأولى، والتنبؤ بما يمكنه أن يحدث وقتها فى انتخابات عام 2020 ما بعد جائحة كورونا.
فى هذا الكتاب يحاول محمد المنشاوى أن يقدم رؤية موضوعية لفهم طبيعة سياسات ترامب وكيفية تأثيرها على الداخل والخارج، وبطريقة عرض للموضوعات بشكل متسلسل ومنهجى، يقدم الكتاب للقراء فرصة للتفكير فى التأثيرات المترتبة على ظهور شخص مثل ترامب فى سدة الحكم، وهل يمكن أن يكون هذا النوع من القيادة هو المستقبل؟ وهل ستظل الولايات المتحدة قوة عظمى تحت قيادة شخص كهذا؟
يقسم المنشاوى كتابه إلى فصول تتناول تأثيرات ترامب على الملفات المختلفة فى الداخل الأمريكى أو الخارج، وأن الفصول التى تتناول الشأن الداخلى الأمريكى هى مهمة للغاية، وهى لما تحتويه على مقطفات من الحياة الأمريكية الداخلية، وعلى أسباب توضح أن ترامب ليس رجلا مجنونا، بل هو واع بكل شىء، يحاول الاستقطاب واستغلال نقاط الضعف فى المجتمع الأمريكى للعب عليها، ويعرض المنشاوى كيف بنى ترامب قاعدته الجماهيرية من خلال اللعب على مشاعر الغضب الشعبى، واستثمار العنصرية، والخوف من المهاجرين، وإعادة إنتاج فكرة «أمريكا العظيمة» فى مواجهة كل ما هو أجنبى أو تقدمى.
يوضح المنشاوى كيف كان ترامب المحرك الرئيس لتأجيج الانقسامات، إذ لم يقتصر الأمر على سياساته الاقتصادية والاجتماعية المثيرة للجدل، بل امتد ليشمل تحركاته ضد المؤسسات الديمقراطية التى كانت تعتبر خطا أحمر فى الولايات المتحدة، هاجم الصحافة، وأساء إلى القضاء، وصعد من وتيرة الهجمات على المهاجرين، ما جعل المجتمع الأمريكى أكثر انقساما.
يركز الكتاب أيضا على ملامح السياسة الخارجية لترامب والتى يغير فيها العالم على هواه، بدءا من انسحابه من الاتفاقيات الدولية، وتهديداته المتكررة لحلفائه، إلى علاقاته المثيرة مع زعماء كيم جونغ أون وبوتين ونتنياهو، ويوضح المنشاوى كيف مثل ترامب قطيعة مع التقاليد الدبلوماسية الأمريكية، واختار أن يدير أمريكا كما يدير مشاريعه: بعقلية التاجر الذى لا يرى العالم إلا أرقاما ومكاسب وخسائر.
ورغم أن الكتاب يبدو موضوعيا فى عرضه للأحداث وتحليلها، إلا أنه لا يخلو من النقد الصريح، فالرؤية التى يقدمها المنشاوى تتيح للقارئ أن يرى فى ترامب رئيسا غير تقليدى، استطاع أن يعيد تعريف السياسة الأمريكية بطريقة تثير العديد من الأسئلة حول الديمقراطية الأمريكية نفسها، ولتأكيد أن صعود ترامب لسدة الحكم هو نتيجة طبيعية لسياسات أمريكا نفسها على مدى العقود الماضية، وهو يمثل شريحة كبيرة من الأمريكيين الذين يرفضون الاقتناع بأن أمريكا قد تغيرت كثيرا عن عهد الآباء المؤسسين.