هل سمحت فرنسا بمرور طائرة نتنياهو عبر أجواءها رغم مذكرة التوقيف الدولية؟
انتقدت محطة “20 مينيت الفرنسية”عبور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الأجواء الفرنسية، يوم 7 أبريل الماضي متوجهاً من المجر إلى الولايات المتحدة، دون أن تتخذ السلطات الفرنسية أي إجراء بحقه، رغم صدور مذكرة توقيف دولية بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما أثار غضباً واسعاً في أوساط خبراء القانون الدولي.
ووجهت الجمعية الفرنسية “جوردي” (JURDI) المعنية باحترام القانون الدولي، رسالة مفتوحة للرئيس إيمانويل ماكرون تطالب فيها بتوضيحات رسمية، مؤكدة أن باريس خرقت التزاماتها بموجب معاهدة روما، التي تلزم الدول الموقعة عليها بالتعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بحسب محطة “٢٠ مينيت” الفرنسية.
ويؤكد بنجامين فيوريني، الأمين العام للجمعية، أن “السماء الفرنسية ليست ممراً سريعاً لمجرمي الحرب”، مشيراً إلى أن فرنسا كانت ملزمة بمنع تحليق الطائرة واعتقال نتنياهو، استناداً إلى المادة 86 من المعاهدة.
ازدواجية المعايير؟
ولم تتوقف الانتقادات عند حدود الصمت الفرنسي، بل تتجه أيضاً إلى “ازدواجية المعايير”، إذ سبق لفرنسا أن دانت منغوليا بسبب عدم توقيف فلاديمير بوتين في ظروف مماثلة، بينما تتخذ دول أوروبية أخرى – كأيرلندا وآيسلندا وهولندا – موقفاً أكثر صرامة من نتنياهو، التزاماً بتعهداتها الدولية.
ما يثير القلق، بحسب الجمعية، هو ما إذا كانت باريس قد منحت رسمياً إذناً لطائرة نتنياهو بعبور أجوائها. ففي حالات كهذه، يجب الحصول على إذن رسمي مسبق، خاصة لضمان عدم اعتراض الطائرة. المحامي الفرنسي في القانون الدولي، إيمانويل دود، يوضح أن “اتخاذ مثل هذا القرار لا يمكن أن يتم إلا على أعلى مستويات الدولة”، مشيراً إلى أنه من المستبعد ألا تكون الرئاسة الفرنسية والوزارات المعنية طرفاً في القرار.
في نوفمبر الماضي، أثارت حادثة مشابهة الجدل حين سمحت فرنسا لنتنياهو بالسفر إلى الولايات المتحدة عبر أراضيها، وهو ما بررته وزارة الخارجية في بيان رسمي صادر في 27 نوفمبر 2024، مشيرة إلى أن نتنياهو “يتمتع بحصانة” نظراً لـ”علاقات الصداقة التاريخية” بين فرنسا وإسرائيل، بوصفهما “ديمقراطيتين ملتزمتين بسيادة القانون”.
لكن بنجامين فيوريني يرفض هذه المبررات، مذكّراً بأن المادة 27 من معاهدة روما تنص صراحة على أن منصب رئيس الدولة لا يعفي من الملاحقة القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، حتى لو كان المتهم لا يعترف بشرعية المحكمة. ويرى أن تذرّع الحكومة الفرنسية بـ”الحصانة” ليس سوى تدخل سياسي يمس باستقلالية السلطة القضائية، ويشكك في مبدأ الفصل بين السلطات.
وتساءلت المحطة الفرنسية، هل بات تقاعس فرنسا في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية كافياً لاستفزاز تحرّك رسمي من لاهاي؟
وأشارت المحطة الفرنسية إلي أن الواقعة أعادت إلى الأذهان ما حدث في عام 2024 عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منغوليا ولم يتم توقيفه، مما أثار غضب المجتمع الدولي حينها، ودفع المحكمة إلى إدانة منغوليا لخرقها التزاماتها القانونية بعدم تسليم بوتين.
في ذلك الوقت، لم تتردد الخارجية الفرنسية في التذكير بـ”واجب التعاون” مع المحكمة الجنائية الدولية. لكن اليوم، وبحسب بنجامين فيوريني، فإن الموقف الفرنسي يعكس “ازدواجية معايير صارخة”.
دول أوروبية ترسم خطاً أحمر
في المقابل، أظهرت عدة دول أوروبية التزاماً صارماً بالقانون الدولي. فقد ذكر تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن نتنياهو اضطر إلى تغيير مسار طائرته لتفادي المرور فوق دول مثل آيرلندا وآيسلندا وهولندا، التي أعلنت مسبقاً استعدادها لاعتراضه احتراماً لالتزاماتها تجاه المحكمة.
ازدواجية في الخطاب الفرنسي؟
الناشط الحقوقي والمحامي في القانون الدولي إيمانويل دود يرى أن الموقف الفرنسي “يُضعف مصداقيتنا كوسيط للسلام”.
ويضيف بسخرية لاذعة أن الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يتحدث حالياً من مصر مطالباً إسرائيل بوقف حصار المساعدات الإنسانية عن غزة، يُظهر تناقضاً فاضحاً: “بيدٍ يربّت على رأس طفل فلسطيني نازح، وبالأخرى يوقّع إذن مرور لنتنياهو فوق الأراضي الفرنسية”.
هذا التناقض، بحسب مراقبين، قد يضع فرنسا في موقف حرج أمام القضاء الدولي، ويطرح تساؤلات جدّية حول مدى احترام باريس لمبادئ العدالة الدولية.