مخيمات عرفات من الداخل: الشروق تسجل لحظات السكون قبل الدعاء

“إحنا بنستلم قبل ما الناس توصل بأيام، لكن كل لحظة هنا بتفرق، لأن اللي جاي يوم عرفة مش جاي يتعب.. جاي يرتاح عشان يدعي، وإحنا دورنا نجهز له الجو ده”، بهذه الكلمات اختصر المشرف سيد أمين مهمته، وهو يتفقد واحدة من خيام مشعر عرفات المخصصة لحجاج الجمعيات الأهلية، قبل ساعات من بدء التوافد الكبير.
في صمتٍ تام، بدأت عملية الاستلام الفعلية لمخيمات عرفات، الوقت يقترب من الخامسة مساءً، والحرارة لا تزال مرتفعة، لكن الحركة في عرفات غير مرئية للجمهور. مشرفون يتحركون بنظام صارم، يراجعون كل تفصيلة، ويتهيأون ليوم عرفة، وهو اليوم الأعظم.
خيام بعثة وزارة التضامن هذا العام تخضع لإشراف مباشر من كوادر مدرّبة، يدركون أن راحتهم ليست أولوية، بل إن راحتهم تبدأ عندما تُستكمل الاستعدادات كما يجب.
كل مشرف يحمل ملفا يحتوي على خرائط التوزيع، بيانات الحجاج، وأرقام الخيام، ويبدأ جولته بمراجعة أجهزة التكييف، مفاتيح الكهرباء، عدد البطاطين، مدى تهوية المكان، وكأنهم يرسمون مخططًا دقيقًا لحياة مؤقتة لكن عظيمة الأثر.
يقول الحاج بخيت خليفة، أحد المشرفين: “إحنا بنبدأ شغلنا قبل أيام من التوافد عشان نضمن إن أول خطوة للحاج جوه عرفات تكون مريحة وآمنة… بنفحص المخيمات كأننا بنجهز بيوتنا لأهالينا، وكل حاجة لازم تكون محسوبة بالدقيقة.”
ويتابع: “الخيمة مش بس مكان ينام فيه الحاج، دي المكان اللي هيقف فيه ويدعي ويبكي، ويدون في آخر صفحة من رحلة عمره… عشان كده بنهتم بكل تفصيلة فيها، من السرير لدرجة الحرارة”.
الأرضيات تفرش، والخزانات تملأ، والمداخل تعلم، والخيام تعد بعناية، بينما العرق يتصبب من المشرفين وهم يتنقلون بين الممرات البيضاء.
وفي ركن هادئ من أحد المخيمات، كانت تجلس فاطمة حسن، إحدى مشرفات الجمعيات، تراجع بيانات الحجاج وتقول: “كل اسم على اللافتة هو إنسان جاي من آخر الدنيا بدعوة… وإحنا مسؤولين نوصله لعرفات مرتاح، مطمئن، وكل حاجة مجهزة له”.
وتضيف: “فيه ستات كبار جايين أول مرة يركبوا طيارة، وحجاج حالتهم الصحية صعبة، وإحنا عارفين مين فيهم محتاج رعاية خاصة، ومين لازم يكون في خيمة قريبة من الخدمات الطبية”.
وتختم بابتسامة مرهقة:”أجمل لحظة في الموسم لما بنسمع دعاء الحجاج جوه الخيام… ساعتها بس نحس إن تعب الأيام راح”.
رغم بساطة المشهد، إلا أن كل خطوة هنا تبنى على دقة، وكل تفصيلة هي انعكاس لاحترام رحلة الحج.
فالخيام التي ما زالت صامتة اليوم، ستضج قريبا بالتلبية والدعاء… لكن قبل أن يطل عرفات، هناك من سهر طويلا ليكتب الراحة لآلاف القادمين من كل فج عميق.