جدل في فرنسا بشأن قانون مكافحة المخدرات: ما الصلة بالمافيا الإيطالية؟

جدل في فرنسا بشأن قانون مكافحة المخدرات: ما الصلة بالمافيا الإيطالية؟


صادق المجلس الدستوري الفرنسي على غالبية مواد قانون مكافحة الاتجار بالمخدرات، المعروف إعلاميًا بـ”قانون النركوترفيك”، ليثير جدل حقوقي.

وبينما اعتبر القانون بمثابة “خطة إنقاذ لإخراج فرنسا من فخ المخدرات”، فإن بعض مواده لاقت انتقادات لاذعة من جهات حقوقية ونواب معارضين، على خلفية المخاوف من المساس بحقوق الإنسان.

عمالة وتجنيد.. جرائم الحوثي تسلب براءة أطفال اليمن

المجلس الدستوري يصادق على غالبية مواد القانون

أعلن المجلس الدستوري الفرنسي، يوم الخميس، قبوله بغالبية بنود القانون الجديد الذي يهدف إلى مواجهة تفشي شبكات الاتجار بالمخدرات.

أقر 32 مادة من أصل النص القانوني المقدم، بينما أسقط ست مواد جزئيًا أو كليًا، وأصدر تحفظات على مواد أخرى، أبرزها تلك المتعلقة بالإجراءات العقابية المشددة داخل السجون، بحسب إذاعة “20 مينيت” الفرنسية.

الحبس الانفرادي.. مستوحى من قوانين مكافحة المافيا الإيطالية

أكثر النقاط إثارة للجدل في القانون الجديد كانت نظام العزل الانفرادي داخل السجون، المخصص لأخطر تجار المخدرات. فرغم اعتراضات نواب اليسار الذين لجؤوا إلى المجلس الدستوري، معتبرين أن هذه الإجراءات “تهدد بشكل خطير دولة القانون”، فإن المجلس صادق عليها مع بعض التحفظات.

وبحسب القانون، يمكن إيداع السجناء، سواء كانوا محكومين أو موقوفين احتياطيًا، في أحياء شديدة الحراسة بقرار من وزير العدل، وفقًا لشروط محددة. أول هذه الأحياء سيُفتتح في سجن فاندين-لو-فييل (شمال فرنسا) نهاية يوليو المقبل.

هذه الإجراءات مستوحاة من التشريعات الإيطالية لمكافحة المافيا، وتسمح مثلًا بإجراء تفتيش جسدي كامل للسجين في حال وجود تواصل غير مراقب مع شخص آخر، وهو ما أثار انتقادات حادة من منظمات مثل المرصد الدولي للسجون، التي وصفتها بأنها “تنتهك الحقوق الأساسية”.

تحفظات على التفتيش الكامل

رغم المصادقة على المادة الخاصة بالتفتيش الكامل، أصدر المجلس الدستوري تحفظًا واضحًا ينص على أن هذا النوع من التفتيش يجب أن يُمارس فقط في ظروف استثنائية، مثل: الحاجة لحماية خصوصية المحتجز، وضمان سرية التبادلات، وصعوبات تنظيمية استثنائية تمنع الرقابة العادية.

من جانبه، رحب وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان بقرار المجلس، وكتب على منصة إكس (تويتر سابقًا): “تقدم كبير لأمن الفرنسيين! المجلس الدستوري يقر غالبية مواد قانون مكافحة المخدرات المتعلقة بالعدالة”.

مواد تم إسقاطها لحماية الحياة الخاصة وحقوق الدفاع

من بين المواد الست التي تم إسقاطها: السماح للأجهزة الاستخباراتية بالوصول المباشر إلى قواعد البيانات الضريبية، إذ اعتبر المجلس أنها لا تحقق توازنًا كافيًا بين حماية النظام العام واحترام الحياة الخاصة، وتجربة استخدام الخوارزميات في رصد تجارة المخدرات، والتي رُفضت للسبب ذاته.

كما تم إسقاط مادة كانت تسمح، في حالات استثنائية، بإصدار حكم إدانة دون تمكين المتهم من الطعن في أدلة ضده مخزّنة في “ملف سري”، وهو ما اعتُبر خرقًا صارخًا لمبادئ المحاكمة العادلة.

جزئية “المحاكمة بالفيديو” تعد على حقوق المتهمين؟

القانون الجديد كان ينص على التوسع في استخدام المحاكمة عبر الفيديو للسجناء الخاضعين لنظام العزل، بهدف الحد من نقلهم وتفادي حوادث الهروب، كحادثة الهروب الشهيرة في 14 مايو 2024، التي قُتل خلالها عنصران من حرس السجون أثناء نقل تاجر مخدرات خطير يُدعى محمد أمرا.

لكن المجلس اعتبر أن تعميم المحاكمة عبر الفيديو يشكل “انتهاكًا مفرطًا لحقوق الدفاع”، لا سيما للمتهمين الموقوفين احتياطيًا، وأقر الرقابة الدستورية عليها.

رغم الانتقادات، يمثل هذا القانون بالنسبة للحكومة إجراءً غير مسبوق في مواجهة شبكات المخدرات المتزايدة التنظيم والوحشية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن المعضلة القديمة بين تحقيق الأمن واحترام الحريات الفردية.