الصين وقرار حظر تصدير المعادن النادرة: كيف شهد العالم تحولات في غضون شهرين؟

في 4 أبريل/نيسان الماضي، أوقفت الصين تقريبًا جميع صادراتها من 7 أنواع من معادن الأرض النادرة، إضافة إلى مغناطيسات قوية مصنوعة من ثلاثة منها، مما تسبب في نقص حاد يهدد بإغلاق مصانع في الولايات المتحدة وأوروبا.
والآن، مع مرور شهرين على تعليق الصين صادراتها من المعادن النادرة، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن تداعيات خطوة بكين.
المعادن النادرة
وتتكون المعادن النادرة من 17 عنصرًا تقع قرب نهاية الجدول الدوري. رغم أنها ليست نادرة فعليًا، فإن فصلها عن بعضها يتطلب عمليات معقدة تشمل مراحل متعددة ومواد كيميائية قوية.
وتسيطر الصين على الإمداد، حيث تنتج 70% من الإنتاج العالمي الخام، وتعالج كيميائيًا 90% من الكمية العالمية، بما يشمل إنتاج ميانمار ونصف إنتاج الولايات المتحدة.
أما السبعة معادن التي تم إيقاف تصديرها (مثل الديسبروسيوم، التيربيوم، الساماريوم)، فهي تُعد “ثقيلة” ويصعب فصلها، وتُستخدم في مغناطيسات مقاومة للحرارة.
الحرمان من المعادن النادرة.. ضربة صينية دقيقة تنشر الألم في أمريكا
عمليات التعدين
وقال التقرير إنه في وادٍ قرب “لونغنان”، يُستخدم كبريتات الأمونيوم لاستخراج المعادن من الطين، بطريقة تلوث البيئة. تُنتج البلورات النادرة وتُرسل إلى مصانع ضخمة للمعالجة.
وحتى عام 2010، كانت المافيا تدير هذه العمليات حتى تدخلت الحكومة الصينية، بسبب أهمية هذه المعادن.
وتدخل المعادن في صناعة السيارات، خاصة المغناطيسات المستخدمة في السيارات الكهربائية، الفرامل، التوجيه، والمقاعد القابلة للتعديل.
وتُستخدم أيضًا في الإلكترونيات، التوربينات، المعدات الطبية، والعتاد العسكري.
ومغناطيسات الأرض النادرة أقوى بـ15 مرة من مغناطيسات الحديد بنفس الوزن. وتعتمد المصانع على المغناطيسات المقاومة للحرارة، المصنوعة من معادن مثل التيربيوم والديسبروسيوم، وبالتالي، فإن توقف التوريد سيؤدي إلى تعطل الإنتاج، كما حدث مؤخرًا في مصنع فورد بشيكاغو.
تعلّق متكرر للصادرات
وهذا حدث سابقًا، ففي عام 2010 أوقفت الصين صادراتها إلى اليابان خلال نزاع سياسي، مما أدى إلى إنشاء اليابان لمخزونات ضخمة وشراكات مع شركات بديلة مثل Lynas الأسترالية.
أما قرار إيقاف صادراتها حاليًا، فهو بسبب ما تراه بكين من أن المعادن “ذات استخدام مزدوج” (مدني وعسكري). الساماريوم، مثلًا، يُستخدم في صواريخ بعيدة المدى، واليتريوم في أجهزة الليزر. لكن الولايات المتحدة ترى أن الهدف سياسي، ردًا على رسوم جمركية فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وفي مايو/أيار، تم التوصل إلى اتفاق لخفض الرسوم بين الصين وأمريكا، لكن صادرات المعادن ما زالت متوقفة بحجة أنها تشمل كل الدول.
وتأخير الصين في إصدار تراخيص التصدير زاد الأزمة. فبعض الشركات الأوروبية مثل فولكسفاغن حصلت على إمدادات محدودة، في حين تعاني شركات أمريكية من شحّ حاد.
ويطالب الغرب بتراخيص طويلة الأمد لتسريع الاستيراد، بدلًا من التراخيص لكل شحنة. وحتى الآن، تبقى سلاسل التوريد مهددة بالتوقف.
تداعيات القرار
ويُعد تعليق الصين لصادرات المعادن النادرة ورقة ضغط قوية ذات تبعات اقتصادية وصناعية كبيرة، ويمثل تحديًا استراتيجيًا للغرب وتهديدًا مباشرًا لاستقرار سلاسل الإمداد العالمية.
فقد أدى التعليق إلى نقص حاد في المواد الأساسية التي تدخل في صناعة السيارات، الإلكترونيات، الروبوتات، التوربينات، والمعدات العسكرية، بما يهدد المصانع الأمريكية والأوروبية بالتوقف المؤقت، كما أدى ما حدث إلى ارتفاع الأسعار عالميًا.
فندرة العرض أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار معادن مثل التيربيوم والديسبروسيوم، الضروريين للمغناطيسات المقاومة للحرارة. وحتى المعادن التي لم يشملها الحظر مثل النيوديميوم ارتفعت أسعارها بسبب المخاوف من امتداد الحظر. علاوة على ذلك، فقد تضررت الصناعات العسكرية والتقنية، خصوصًا المقاتلات والطائرات بدون طيار والرقائق الإلكترونية، بشكل خاص لأن بعض المعادن تدخل مباشرة في تصنيع أنظمتها الحيوية.
وقد أسفر كل ذلك عن اضطراب في إنتاج السيارات الكهربائية والمنتجات التكنولوجية الحديثة، وكذلك خسائر محتملة للوظائف المؤقتة في قطاعات التصنيع المرتبطة.
ودفعت الأزمة الدول الغربية للبحث عن مصادر بديلة (مثل أستراليا وكندا) ومحاولة تسريع بناء سلاسل توريد محلية أو مستقلة. وكذلك العودة لدى البعض إلى استخدام مغناطيسات بديلة أقل كفاءة لكنها لا تعتمد على المعادن المحظورة.
وقد زاد ذلك من حدة التوتر التجاري بين الصين والغرب، وقد ينعكس على اتفاقيات مستقبلية، في حين مثل فرصة لدول أخرى مثل أستراليا وماليزيا، اللتين تستفيدان من زيادة الطلب، خاصة الشركات مثل Lynas التي تنتج وتكرّر معادن نادرة. كما شجعت الأزمة دولًا مثل اليابان على توسيع مخزوناتها الاستراتيجية.
aXA6IDE1NC43My4yNDkuNjMg