جزيرة غوتلاند: من معلم سياحي إلى حصن للناتو في بحر البلطيق

تشهد أوروبا في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في جهودها لتعزيز قدراتها العسكرية تحسبًا لأي مواجهة محتملة مع روسيا، خاصة مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة بعد الهجوم الأوكراني ضد قواعد جوية روسية.
وبحسب صحيفة ديلي ميل البريطانية، تتجلى ملامح هذا الاستعداد بشكل خاص في جزيرة غوتلاند السويدية، التي تحولت من وجهة سياحية هادئة إلى قلعة عسكرية متقدمة لحلف الناتو في قلب بحر البلطيق.
ميرتس في «عرين» ترامب.. هل ينجو من «فخ» المكتب البيضاوي؟
تقع غوتلاند على بعد 193 كيلومترا فقط من دول البلطيق الثلاث (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) و370 كيلومترا من الجيب الروسي الحصين في كالينينغراد، ما يمنحها أهمية استراتيجية بالغة في مراقبة التحركات الروسية وردع أي هجوم محتمل.
ومع انضمام السويد مؤخرًا إلى الناتو، أصبحت الجزيرة مركزًا لوجستيًا رئيسيًا وخط دفاع أول للحلف في مواجهة موسكو.
وأكد الجنرال كارل-يوهان إدستروم، رئيس هيئة أركان الدفاع السويدي، أن غوتلاند تلعب دورًا محوريًا في استراتيجية الناتو، ليس فقط كمركز لوجستي، بل أيضًا كمنصة لإسقاط الجنود والتحكم في الاتصالات البحرية والجوية فوق البلطيق، وخلق منطقة عدم السماح للقوات الأجنبية بالوصول إلى أراضيها.
كما أشار إلى أن الجزيرة يمكن أن تكون نقطة انطلاق لهجمات دفاعية عميقة لحماية الحلفاء في حال وقوع هجوم روسي.
لم تكن غوتلاند دائمًا بهذا المستوى من التحصين العسكري. فبعد نهاية الحرب الباردة، شهدت الجزيرة تقليصًا كبيرًا في الوجود العسكري السويدي حتى كادت أن تُجرد تمامًا من القوات والمنشآت الدفاعية بحلول عام 2005.
لكن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم واندلاع الحرب في شرق أوكرانيا أعاد إلى الأذهان أهمية غوتلاند الاستراتيجية، ما دفع السويد لإعادة تفعيل وحداتها العسكرية في الجزيرة بدءًا من عام 2018.
ومع تصاعد التوترات بعد العملية الروسية الشاملة لأوكرانيا في 2022، تسارعت عمليات إعادة التسلح، وتخطط السويد الآن لرفع عدد الجنود في الجزيرة إلى 4500 بحلول 2027، مع إنشاء وحدات متخصصة في الدفاع الجوي والهندسة والمدفعية والدعم الطبي، إلى جانب تطوير بنية تحتية عسكرية حديثة قادرة على استضافة قوات الحلفاء.
في المقابل، تدرك روسيا جيدًا الأهمية الاستراتيجية لغوتلاند، إذ إن السيطرة عليها ستمنح موسكو القدرة على عزل دول البلطيق عن بقية الناتو، وتعزيز قدراتها الجوية والبحرية في المنطقة، وربما دعم عمليات هجومية على ممر سوالكي الاستراتيجي بين بولندا وليتوانيا.
وقد أبدت موسكو قلقها من إعادة التسلح في غوتلاند، واعتبرتها هدفًا محتملاً في حال اندلاع صراع واسع النطاق مع الغرب، حتى إن بعض المحللين الروس أشاروا إلى إمكانية استهداف الجزيرة بأسلحة نووية لمنع الناتو من استخدامها كقاعدة لشن هجمات على الأساطيل الروسية.
في هذا السياق، تبرز أهمية مفهوم “الدفاع الشامل” الذي تتبناه السويد، والذي يدمج بين الجهود العسكرية والمدنية لضمان صمود المجتمع في وجه أي تهديد. إذ تلزم الحكومة السويدية جميع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و70 عامًا بالمشاركة في الدفاع الوطني عند الحاجة، وتعمل على تدريب المدنيين وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص.
كما تستثمر السويد في تحديث الملاجئ النووية المنتشرة في أنحاء البلاد، والتي يبلغ عددها أكثر من 64 ألف ملجأ، قادرة على استيعاب أكثر من ثلثي السكان، إلى جانب تعزيز قدرات الأمن السيبراني وخدمات الطوارئ.