روسيا تتخلى عن تسليح مالي.. هل سيؤثر ذلك على توزيع القوة في منطقة الساحل؟

روسيا تتخلى عن تسليح مالي.. هل سيؤثر ذلك على توزيع القوة في منطقة الساحل؟


في تحول مفاجئ قد يعكس إعادة رسم الأولويات الاستراتيجية لموسكو، امتنعت روسيا عن تزويد مالي بطائرات عسكرية، سبق الاتفاق بشأنها.

فبعد سنوات من التنسيق الأمني الوثيق بين باماكو والكرملين، بدأت تلوح مؤشرات على فتور محتمل، يربطه محللون بتداعيات الحرب في أوكرانيا وتوازنات إقليمية معقدة تشمل الجزائر والصين، في خطوة أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين.

“فيتو” روسي بمجلس الأمن ضد العقوبات على ماليمالي تحلق بطائرات روسية وتركية بعيدا عن النفوذ الفرنسي

ويبدو هذا بمثابة تطور غير مسبوق في علاقة موسكو بباماكو التي لطالما اعتُبرت شريكًا أمنيًا وثيقًا للكرملين في منطقة الساحل.

تراجع مفاجئ

وبحسب مصادر عسكرية روسية، فقد تراجعت موسكو عن توريد طائرات التدريب الهجومي Yak-130، التي كانت محل تفاوض خلال الأشهر الماضية، كما توقّفت الإمدادات المرتقبة من طائرات Aero L-39 Albatros وMi-24 Hind.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن مالي تواجه صعوبات متزايدة في الحفاظ على الجاهزية العملياتية لأسطولها الجوي المحدود، خاصة في ظل توقف الدعم الفني والتقني من موسكو.

تحول في الأولويات الروسية؟

يرى مراقبون أن قرار موسكو قد لا ينفصل عن حسابات استراتيجية أوسع، لا سيما في ظل انشغالها المتزايد بالحرب في أوكرانيا، التي استنزفت الموارد العسكرية واللوجستية الروسية على نحو كبير، ما يعني أن تأجيل أو وقف إمدادات الأسلحة لبعض الشركاء قد يكون جزءًا من إعادة ترتيب الأولويات لا أكثر.

لكن ثمة من يطرح سؤالاً آخر: هل تُوجه بذلك رسالة سياسية غير مباشرة إلى باماكو؟ فالعلاقة المتوترة مؤخرًا بين مالي والجزائر، الحليف التقليدي لروسيا، قد تكون من بين العوامل المؤثرة في هذا التغيير.

وقد يُقرأ هذا التطور على أنه دعوة ضمنية من موسكو لإعادة ضبط التوازنات الإقليمية وتجنّب الإضرار بمصالح حلفائها الآخرين.

ضغط روسي 

قال الباحث الغيني لامين سيسوكو، المتخصص في شؤون الساحل الأفريقي، لـ«العين الإخبارية» إن «القرار الروسي يُفهم كإشارة ضغط سياسية موجهة إلى المجلس العسكري في باماكو، لدفعه إلى التهدئة في مواقفه الإقليمية، وخاصة تجاه الجزائر التي تمثل شريكاً استراتيجياً لموسكو في شمال أفريقيا».

وأضاف: «روسيا لا تسعى إلى القطيعة، لكنها تعيد رسم حدود العلاقة مع مالي في ضوء أولوياتها الدولية وحساباتها الإقليمية، لاسيما بعد تصاعد تكاليف انخراطها في أوكرانيا، ما يفرض إعادة ترتيب خارطة شركائها».

أما الباحث البوركينابي عبدول كابوريه، المتخصص في العلاقات العسكرية الروسية-الأفريقية، فأكد لـ«العين الإخبارية» أن «مالي تعتمد بشكل شبه كلي على موسكو في مجال التسليح والدعم التقني، ومن شأن هذا التوقف أن يُربك قدراتها الدفاعية، خصوصًا في ظل التهديدات الأمنية التي تواجهها».

لكنه يرى أن «القرار لا يعني بالضرورة انهيار التحالف، بل ربما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، يكون فيها لبكين دور أكبر، حيث تسعى الصين إلى تعزيز حضورها في الساحل الأفريقي كفاعل دفاعي بديل».

وأضاف كابوريه أن «نيامي وواغادوغو ستقيمان هذه الخطوة بعناية؛ إذ قد تُقرأ كإنذار مبكر إلى أن الدعم الروسي ليس مضمونًا دائمًا، ما سيدفع هذه الدول إلى البحث عن توازن أوسع في شراكاتها الأمنية».

مالي بين تحديات الداخل وخيارات الخارج

مالي، التي تعاني من تدهور اقتصادي وصعوبات تقنية في صيانة معدّاتها العسكرية، قد تجد نفسها أمام خيارات محدودة.

فالعلاقة مع روسيا، رغم طابعها الاستراتيجي، تمر بمرحلة اختبار. لكن من غير الواضح بعد إن كان هذا “الفتور” ظرفيًا أم يشير إلى تحوّل طويل الأمد.

وبينما يستبعد خبراء في الشؤون الدفاعية قدرة مالي حاليًا على استبدال روسيا كمورد أساسي للأسلحة، فإن هناك إشارات إلى تقارب متزايد مع بكين، بعد زيارة وفود صينية رفيعة زارت مؤخرًا، وتحدثت تقارير عن محادثات لشراء معدات دفاعية.

لكن تبقى المسألة مرهونة بقدرة باماكو على التمويل وبتوافر حلول عملية لتشغيل وصيانة المنظومات الجديدة.

انعكاسات إقليمية

القرار الروسي ستكون له دون شك تداعيات إقليمية؛ فالنيجر وبوركينا فاسو، وهما شريكان لمالي في التحالفات الأمنية الجديدة بعد انسحابهما من المنظومة الفرنسية، سيراقبان الموقف عن كثب.

فهل سيؤثر تراجع الدعم الروسي لمالي على تماسك هذا المحور؟ أم أنه مجرد خلاف عابر لن يُضعف روابط باماكو مع موسكو؟ أسئلة قد تجيب عنها بيانات رسمية مُرتقبة.

توضيح رسمي

وحتى اللحظة، لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة المالية بشأن القرار الروسي، كما أن موسكو لم تُدلِ بتفاصيل موسعة عن أسبابها.

وفي ظل هذا الغموض، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، بين إعادة التفاوض أو البحث عن شركاء جدد، شرقًا أو غربًا.

aXA6IDE1NC43My4yNTAuNDMg