علماء الآثار يكشفون عن فيلا فريدة تعود إلى 2000 عام بالقرب من أوكسير قبل تدميرها

علماء الآثار يكشفون عن فيلا فريدة تعود إلى 2000 عام بالقرب من أوكسير قبل تدميرها

تم تحديثه الخميس 2025/6/5 04:56 م بتوقيت أبوظبي


في مشهد أقرب إلى روايات المغامرة، اكتشف علماء الآثار الفرنسيون فيلا رومانية فاخرة تعود لأكثر من ألفي عام على مشارف مدينة أوكسير، عاصمة إقليم يون شمال فرنسا.

وسط تربة ساكنة أخفت أسرارًا لقرون، ظهرت معالم قصر أثري يُعتقد أنه كان مقر إقامة لمالك ثري من نبلاء الإمبراطورية الرومانية. الاكتشاف يوصف بـ”الاستثنائي”، لكن العدّ التنازلي بدأ قبل أن تبتلع الجرافات هذا الكنز إلى الأبد.

تنقيب أثري بكلفة 1.5 مليون يورو

كشف تنقيب أثري بلغت كلفته 1.5 مليون يورو عن كنز نادر على مقربة من مدينة أوكسير الفرنسية، عن فيلا رومانية تعود إلى 2000 عام، كان يقطنها مالك غني للغاية.

وقالت مجلة “باري ماتش” الفرنسية، إن تسعة من علماء الآثار التابعين للمعهد الوطني الفرنسي للبحوث الأثرية الوقائية (Inrap) يعملون على إظهار ملامح فيلا أثرية “استثنائية”، تقع على بُعد ثلاثة كيلومترات جنوب أوكسير بمحاذاة نهر يون.

ووصفت المجلة الفرنسية حال هؤلاء العلماء قائلة: “راكعين في التراب، يحفرون ويزيلون الطبقات ويستخدمون الفرشاة بعناية… لإظهار ملامح ذلك الكنز الأسري”.

من جهته، قال صامويل براسو، نائب مدير موقع الحفر: “نحن في موقع يُعرف باسم سانت-نيتاس، حيث توجد فيلا ريفية ضخمة تعود إلى مالك ثري من بلاد الغال”. وتساعد الحجارة الكثيرة المثبتة بالجير على الأرض في رسم المخطط الكامل لهذه الملكية الهائلة التي تمتد على مساحة 4 آلاف متر مربع.

بدوره، قال مدير الحفريات ألكسندر بورجفين وهو يشير إلى نقطة معينة: “هنا، كان هناك على الأرجح حديقة تبلغ مساحتها 450 مترًا مربعًا، مغلقة بحوض مائي على شكل مستطيل وبنافورة صغيرة”. ثم يقودنا إلى قلب الـ”بارس أوربانا” – وهي المنطقة التي كانت تضم الغرف الرئيسية للفيلا.

وأضاف: “من المحتمل أن هذا الفضاء كان محاطًا بأروقة تؤدي إلى غرف استقبال ومساحات تقنية وربما مطبخ”، فيما كنا نمشي فوق أرضيات تعود للعصر الغالو-روماني كما كان السكان يفعلون قبل قرون.

مصر تسترد قطعا أثرية نادرة من فرنسا قبيل بيعها

حفظ جيد للأساسات والجدران رغم مرور 2000 عام

فيلا استثنائية عمرها 2000 عام

ومن اللافت للنظر أن أساسات المبنى التي تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد ما زالت محفوظة بشكل جيد رغم مرور 2000 سنة. بعض الجدران لا تزال قائمة بارتفاع يقارب مترًا، وهو أمر نادر بالنسبة لمنشأة ريفية من هذا النوع. ففي معظم الحالات، تدمر المعدات الزراعية الحديثة هذه الآثار. لكن لحسن الحظ، فإن هذا الموقع الذي يحمل أيضًا آثارًا من العصور الوسطى، لم يتعرض لأي تدخل ثقيل.

وأوضح صامويل براسو: “منذ القرن الثالث عشر وحتى اليوم، لم يحدث الكثير هنا. ربما كان هناك تربية ماشية، لكن ليس زراعة مكثفة، وهذا ما ساعد في الحفاظ على الموقع”. بل إن طبقة من الردم وضعتها مدينة أوكسير في عام 1974 شكلت غطاءً واقيًا سميكًا.

لمن كانت هذه الفيلا؟

فيلا استثنائية عمرها 2000 عام

رغم أن علماء الآثار كانوا يعرفون بوجود بقايا أثرية هناك بفضل حفريات صغيرة جرت عام 1966، فإنهم لم يتوقعوا اكتشاف فيلا بهذه الضخامة.

ولهذا السبب جاء رئيس المعهد دومينيك غارسيا بنفسه إلى الموقع، قائلاً: “إنها مذهلة. أشبه بكتاب تاريخ حي. يمكننا تتبع مختلف مراحل الاحتلال البشري لهذا المكان”.

مع تقدم أعمال التنقيب، بات العلماء واثقين من أن الفيلا كانت مملوكة لشخصية بارزة من زمن الإمبراطورية الرومانية العليا. وجود حمامات رومانية فاخرة لا تزال أساساتها مرئية، واكتشاف عدة قطع أثرية، شكّل دليلاً حاسمًا. فقد عُثر على أجزاء من زجاج نوافذ في عدة أماكن.

من جانبه، أوضح نيكولا تيسيران، عالم الآثار المتخصص في القطع الأثرية: “في العصور القديمة، كان وجود الزجاج في النوافذ نادرًا، بل استثنائيًا. هذا الاكتشاف يعزز تصوّرنا لمدى غنى هذه الفيلا”.

كما عُثر أيضًا على مفاتيح مزخرفة بدقة، ومشبك حزام، يُستخدم للدلالة على المكانة الاجتماعية. وأضاف تيسيران: “الشخص الذي كان يملك هذا المشبك كان يشغل بلا شك منصبًا مدنيًا أو عسكريًا رفيعًا”.

مصر تسجل كشفا أثريا جديدا.. مبنى يعود إلى القرن السادس في أسيوط بجداريات رمزية

هل ما زالت هناك كنوز مخفية؟

فيلا استثنائية عمرها 2000 عام

رغم ذلك، تبقى العديد من الأسئلة دون إجابة حتى الآن، مثل الوظيفة الدقيقة لكل غرفة، أو طبيعة الأنشطة الزراعية والحرفية التي كانت تُمارس على أطراف الملكية.

وقال صامويل براسو: “حتى الآن، لم نعثر على الكثير من القطع الأثرية. لكن لدينا أمل كبير في العثور على المزيد. فالموقع محاط بالكثير من الردم، ما قد يخفي كنوزًا أخرى. وقد يساعدنا هذا على كشف وتحديد جميع الأنشطة التي كانت تُمارس في إطار هذه الفيلا”.

لكن الوقت يداهم الفريق الأثري، إذ لديهم حتى نهاية شهر سبتمبر هذا العام لمواصلة توثيق هذا الموقع الضخم. بعد ذلك، ستدخل الجرافات والمعدات الثقيلة لبدء أعمال إنشاء طريق جديد، وسيُدفن الموقع إلى الأبد.

وحتى يحين ذلك، يدعو المعهد الوطني للبحوث الأثرية كل الفضوليين إلى زيارة الموقع يوم 15 يونيو، ضمن فعاليات “أيام أوروبا للآثار”.