قيادة “الحزب الاشتراكي الفرنسي”.. من يتولى توجيه اليسار نحو انتخابات 2027؟

قيادة “الحزب الاشتراكي الفرنسي”.. من يتولى توجيه اليسار نحو انتخابات 2027؟


قبل عامين فقط من استحقاق رئاسي مفتوح على كل الاحتمالات، تدور الخميس، في دهاليز الحزب الاشتراكي،

قبل عامين فقط من استحقاق رئاسي مفتوح على كل الاحتمالات، تدور الخميس، في دهاليز الحزب الاشتراكي، معركة لا تقتصر على زعامة، بل تتجاوزها لترسم معالم ما تبقى من هوية اليسار الجمهوري في فرنسا.

ويتجه نحو 40 ألف عضو في الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى صناديق الاقتراع، الخميس، لاختيار زعيمهم الجديد، فيما سيكون خيارهم بين أوليفييه فاور، السكرتير الأول المنتهية ولايته، ومنافسه نيكولا ماير-روسيينيول، رئيس بلدية روان.

لكن ما يبدو في ظاهره انتخابات حزبية داخلية، يخفي في جوهره معركة سياسية تحدد ملامح اليسار الفرنسي في مواجهة الاستحقاق الرئاسي المقبل، في ظل انقسام واضح حول موقع الحزب، وشكل تحالفاته، ومستقبل العلاقة مع «فرنسا الأبية» بزعامة جان-لوك ميلونشون.

وتجسد المواجهة على زعامة الحزب، صراعًا بين استراتيجيتين مختلفتين للتحالفات اليسارية استعدادًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، بحسب محطة “بي.إف.إم التلفزيونية الفرنسية؛ فكلا المرشحين، فاور (السكرتير الأول الحالي) وماير-روسيينيول (عمدة روان)، يتفقان على ضرورة سعي الحزب نحو الوحدة.

إلا أن كلاً منهما يطرح تصورًا مختلفًا لهذه الوحدة، مما يجعل “اتحاد اليسار” القضية المحورية في هذه الانتخابات الداخلية، قبل نحو عامين من الرئاسيات.

وسيختار أعضاء الحزب زعيمهم الجديد بين الساعة الخامسة والعاشرة مساءً. وقد تولى أوليفييه فاور قيادة الحزب في 7 أبريل/نيسان 2018، بعد ما وصف حينها بأنه “معسكر من الخراب” خلّفه عهد الرئيس فرانسوا هولاند.

أزمة هوية

من جانبه، قال لوران بوفي، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بباريس لـ”العين الإخبارية”: “الصراع بين فاور وماير-روسيينيول يعكس أزمة أعمق في هوية الحزب الاشتراكي، مشيرًا إلى أن فاور يعتمد على منطق براغماتي، يسعى لتوسيع القاعدة الانتخابية لليسار، حتى ولو بثمن الابتعاد عن بعض الرموز.

وأضاف: “أما ماير-روسيينيول، فهو يمثل التيار التقليدي للحزب، الذي يرفض تمييع الخطاب الاشتراكي باسم الوحدة. النتيجة لن تحدد فقط مستقبل القيادة، بل ستشكل مقدمات خريطة اليسار في 2027”.

من جهتها، قالت سيلين روسو، محللة سياسية في مركز جان جوريس للدراسات لـ”العين الإخبارية”: التصويت ليس فقط بشأن التحالفات، بل حول سؤال جوهري: هل ما يزال للحزب الاشتراكي دور مركزي في الحياة السياسية الفرنسية؟”.

وأوضحت أنه «إذا فاز فاور، فإن ذلك يعني دعمًا لاستراتيجية الاندماج ضمن تحالف يساري أوسع، حتى ولو تطلب الأمر إعادة تعريف هوية الحزب، أما فوز ماير-روسيينيول فسيكون بمثابة دعوة لإعادة بناء الحزب من الداخل، باستقلالية أكبر عن التجارب السابقة معفرنسا الأبية»

وحدة واسعة.. لكن دون ميلونشون

يُعرف فاور بتوجهه نحو تشكيل تحالف واسع، شرط استبعاد حزب “فرنسا الأبية”، الذي سبق أن تحالف معه الاشتراكيون بقيادته في الانتخابات التشريعية لعامي 2022 و2024.

ويعتبر النائب عن منطقة سين-إي-مارن أن جان-لوك ميلونشون سيكون مرشحًا للرئاسة بأي حال، ولهذا فهو يدعو إلى تحالف لليسار لا يشمل تيار ميلونشون، ويضم شخصيات مثل رافاييل غلوكسمان (زعيم حزب “المكان العام”) والنائب السابق فرانسوا روفان.

وترى جوانا رولان، نائبة السكرتير العام وعمدة نانت، أن “فشل خط فاور في هذا المؤتمر يعني انهيار فكرة مرشح مشترك لليسار في 2027”.

ويضغط معارضو فاور عليه لتقديم التزام واضح بترشيح اشتراكي للرئاسة، في حين لا يضع هو هذا الأمر كشرط مسبق. ويعلّق فاور: “لا يمكننا التوجه فقط إلى شريحة محدودة من اليسار، بل يجب أن نخاطب الجميع”.

إعادة بناء الحزب

في المقابل، يدعو ماير-روسيينيول إلى إنشاء “حزب اشتراكي كبير”، يجمع ليس فقط أعضاء الحزب الحاليين، بل -أيضًا- شخصيات سياسية يسارية من خارجه، مثل رافاييل غلوكسمان، بونوا آمون، ورئيس الوزراء السابق برنار كازنوف. وهي رؤية أقل اتساعًا من تلك التي يقترحها فاور.

كما يرفض رئيس بلدية روان فكرة إجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح اليسار. ويقول في هذا السياق: “الانتخابات التمهيدية التي يدعو لها فاور غير واقعية. الرأي العام هو الذي يحدد، والناخبون اليساريون سيختارون المرشح الأفضل تمثيلًا لهم”. وهو ما يردده أيضًا النائب الأوروبي فرانسوا كالفون.

تحالفات داخلية وحسابات شخصية

ونجح ماير-روسيينيول في تجميع تحالف واسع من المعارضين لفاور – رغم أنه يرفض وصفهم بذلك – بينهم هيلين جوفروا (عمدة فول-أن-فيلان)، كارول ديلغا (رئيسة منطقة أوكسيتاني)، النائب فيليب برون، وعمدة سانت-أوين كريم بوامران.

ويواجه فاور اتهامات من هذا التيار بإدارة الحزب بطريقة “فئوية”، وبأنه يتبنى مواقف “ملتبسة” تجاه ميلونشون و”فرنسا الأبية”، رغم محاولاته في الأشهر الأخيرة النأي بنفسه عنهم.

ورد فاور على هذه الانتقادات في لقاء رقمي مساء الثلاثاء، قائلًا: “لا أندم على ما قمنا به. وعندما تصدّر التحالف اليساري نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في 2024، لم يعتبر ماير-روسيينيول الأمر سخيفًا”.

تقدم طفيف لفاور… ودعم مهم من الرجل الثالث

في الجولة الأولى، تقدم فاور على ماير-روسيينيول بفارق بسيط (42.21% مقابل 40.38%). فيما سيكون العامل الحاسم: دعم الرجل الثالث في هذا السباق، رئيس الكتلة النيابية للحزب بوريس فالو، الذي حصل على 17.41% من الأصوات. وقد أعلن فالو أنه سيصوّت لصالح فاور، في مقابلة مع صحيفة “لوموند”، مع تأكيده أن هذا “اختيار شخصي”، من دون توجيه تعليمات لأنصاره.

ويأمل مؤيدو فاور أن يحقق فوزًا أوضح مما حدث في مؤتمر مارسيليا عام 2023، حين واجه نفس المنافس. آنذاك أدّت النتائج المتقاربة إلى خلافات داخلية حادة واتهامات متبادلة بالتزوير.

أما داينابا ديوب، إحدى المقربات من فاور فقالت: “يجب أن يكون الحسم واضحًا لا لبس فيه، حتى لا تثار أي شكوك أو نزاعات لاحقة”.