بين الركام وذكريات الماضي… غزة تحتفل بالعيد دون مظاهر الفرح

بين الركام وذكريات الماضي… غزة تحتفل بالعيد دون مظاهر الفرح


الأنقاض وحدها من تعرف مرارة حاضرهم، فتحتها دفن القصف أحبتهم وفوقها ينبش الناجون بحثا عن أمل أو عن ذكرى تخمد حنينهم.

وبين ذلك الركام المتناثر على امتداد النظر في كل شبر من قطاع غزة، وبين حنين الذكريات، يستقبل سكان القطاع العيد بلا احتفالات.

وهذا العام، يتهيأ الفتى عماد ديب الذي يتّمته الحرب في غزة، لقضاء عيد الأضحى، للمرة الأولى، بلا ذويه.

«لا أريد أن يأتي العيد»

ويستذكر ديب البالغ 11 عاما أنه في عيد الأضحى “كان والدي يشتري لنا أضحية (خروف)… لكن الآن أصبحنا أنا وإخوتي وحيدين لا أحد يحضر لنا الخبز”.

ويضيف الفتى النحيل والشاحب الوجه والذي ينتعل حذاء مرقّعا “كنت أحب العيد وأنتظره كل سنة حتى نفرح ونلبس لبسنا الجديد، الآن لا أريد أن يأتي عيد”.

ديب يزور يوميا موقع الخيمة التي تحوّلت إلى رماد في حي الشيخ رضوان ليستذكر والده ووالدته اللذين قتلا بضربة إسرائيلية.

وعشية العيد، يقول ديب “ليت هناك من يوزع اللحم غدا” على شقيقاته الأربع وعليه.

قبل الحرب، كان الغزيّون يحيون عيد الأضحى بتجمّعات عائلية لتناول الأضاحي وتوزيعها، وكانت الأسواق تمتلئ بالناس لشراء الحلويات والألعاب والألبسة من محال تبقي أبوابها مفتوحة حتى ساعات متأخرة لإتاحة شراء الهدايا.

لكن بعد نحو 20 شهرا على اندلاع الحرب مع إسرائيل إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس، تغيّرت ملامح غزة، فقد دُمّرت أحياء بكاملها، كما تسبب حصار مطبق بالكاد تم تخفيفه قبل 15 يوما، بنقص حاد في المواد الأساسية.

«اللحم حلم»

ويقول أحمد الزايغ وهو قصّاب في مدينة غزة “قبل الحرب كان سعر كيلو (اللحم) 50 شيكلا. اليوم سعر الكيلو نحو 500 شيكل، ولا قدرة لأحد على شرائه. سابقا، في فترة العيد كنت أحجز ما بين 200 إلى 300 خروف وعجل. هذا العام، لم أتلق أي حجوزات. الناس لا يمكنهم شراء الأضاحي”.

أما محمد عثمان (36عاما) الذي نزح مع عائلته إلى دير البلح وسط القطاع، فيقول إن “كيلو اللحم أصبح اليوم حلما، فكيف بالأحرى الخروف؟.. نتمنى لو نجد خبزا حتى نطعم أولادنا يوم العيد… سيفرحون بالطحين وكأنه لحم”.

كثر يعيدهم الحنين إلى حقبة كانوا فيها قادرين على توزيع جزء من الأضاحي على الأكثر فقرا في العيد.

«عيد ملطّخ بالدماء»

تختلط أصوات المسيرات الإسرائيلية التي تحلّق في الأجواء على نحو شبه مستمر مع التواشيح التي يستمع إليها البعض عبر هواتفهم في حين كانت تصدح في مساجد المدينة قبل الحرب.

وفي مخيم للنازحين في مواصي خان يونس يقول حمزة صبح البالغ 37عاما “سنحيي شعائر الله في هذا العيد ونصلي صلاة العيد غدا”.

ويضيف “اليوم نحن صائمون، أنا جالس منذ الصباح مع أولادي نكبّر ونهلّل… أريد أن أشعرهم بفرحة العيد ولو بشعائره الدينية على الأقل لكي لا يفقدوا الأمل”.

لكن غالبية من التقاهم صحافيو وكالة فرانس برس يقولون إن لا قدرة لديهم على الاحتفال بالعيد، إن لم يكن السبب في ذلك عدم توافر الوسائل، فإنه يكمن في التعب النفسي.

ووفق سامي فلفل النازخ من بيت لاهيا، فإن “العيد ملطخ بالدماء، ما من طريقة أفضل لتوصيفه. عانينا 18 عاما”، وما عانيناه مدى أشهر الحرب “كان أصعب ما عشناه على الإطلاق”.

ووسط الأنقاض، يدفن غزيّون جثث أحبائهم كل يوم. في الأثناء تراوح مكانها المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل للوصول إلى وقف لإطلاق النار.