نتائج انتخابات «الحزب الاشتراكي الفرنسي»: فترة هدوء تثير استفسارات بلا حدود

تم تحديثه الجمعة 2025/6/6 03:47 م بتوقيت أبوظبي
مع إعلان فوز أوليفييه فور بزعامة «الاشتراكي الفرنسي»، انكشفت ندبات في جسد الحزب، كانت بمثابة مؤشر على أن الوقت لا زال طويلا لالتئامها، مما قد يعيق أي محاولة حقيقية لإعادة توحيد صفوف اليسار.
فبنسبة لم تتجاوز 50.9%، أعلن فوز أوليفييه فور بشق الأنفس، في ليلة انتخابية مشحونة بالتوتر والاتهامات المتبادلة، مما كشف عن عمق الانقسامات التي يعانيها الحزب، وأعاد إلى الأذهان مشاهد من مؤتمرات سابقة هزّت بنيته التنظيمية والسياسية.
سياق يؤكد على أن قدرة الحزب على تجاوز شبح الانقسام مرتبطة بشكل مباشر باستطاعته على إعادة تعريف مشروعه السياسي بما يتجاوز مجرد التنافس الداخلي. فالانتخابات المقبلة في 2027 ستكون اختباراً حقيقياً لما إذا كان الاشتراكيون قادرين على تقديم بديل جذاب وموحد في مواجهة يمين متطرف متصاعد ويسار راديكالي يلتهم قواعدهم التقليدية.
فماذا يعني فوز الحدّ الأدنى؟
أكدت النتائج التي أُعلنت بعد ليلة مليئة بالتوتر فوز أوليفييه فور بنسبة ضئيلة جداً، دفعت بالكثيرين داخل الحزب إلى وصفها بـ”فوز شكلي أكثر منه سياسي”.
وتفاعل ماير-روسينيول مع النتيجة بتغريدة تصالحية هنّأ فيها منافسه، مذكّراً في الوقت ذاته أن نحو نصف الناخبين الحزبيين منحوه أصواتهم.
أما فور، فأعاد تأكيد شرعيته قائلاً: “شكراً للمناضلات والمناضلين الذين جددوا ثقتهم بي.
ورغم لهجة التهدئة من الطرفين، لا يخفي القادة الحزبيون أن الشرخ الفكري لا يزال قائماً، خاصة في ما يتعلق بسياسة التحالفات، وعلى رأسها العلاقة المضطربة مع تحالف “نوبس” (NUPES) اليساري العريض الذي يضم فرنسا الأبية والخضر والشيوعيين.
فهل يتخطى اليسار شبح الانقسام؟
يرى محللون سياسيون فرنسيون أن فوز زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي أوليفييه فور، رغم أنه قانوني، لن يكون كافياً لتوحيد صفوف اليسار، بل قد يكرّس حالة الانقسام ما لم تُتخذ خطوات جادة لرأب الصدع الداخلي وإعادة تعريف المشروع الاشتراكي في مواجهة يسار راديكالي آخذ في التوسع ويمين متطرف يواصل التقدم في الشارع الفرنسي.
وبينما كان أنصار زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي أوليفييه فور ينتظرون فوزاً واسعاً يعيد تثبيت زعامته دون جدل، جاءت النتيجة أقرب إلى «هدنة مؤقتة» داخل حزب اشتراكي مليء بالخلافات.
وقال المحلل السياسي الفرنسي بنيامين مورو، المختص في شؤون اليسار الفرنسي لـ”العين الإخبارية” “إن ما حدث في هذا المؤتمر ليس انتصاراً، بل وقف إطلاق نار سياسي. فور مطالب اليوم بتجاوز خطاب المجاملة نحو إعادة بناء ثقة مفقودة داخل الحزب ومع شركائه.”
وأوضح أن استمرار تحالف الحزب الاشتراكي مع “فرنسا الأبية” سيعمّق الخلافات الداخلية، بينما قد تؤدي أي محاولة لفك هذا التحالف إلى العزلة الانتخابية.
فهل سيكون هذا الفوز كافياً لإعادة توحيد الحزب؟
من جانبه، قال لوران جودار، المتخصص في شؤون الأحزاب السياسية اليسارية والباحث في “مركز الدراسات السياسية الأوروبية” في باريس، لـ”العين الإخبارية” إن نتائج مؤتمر الحزب الاشتراكي تُظهر هشاشة البنية الداخلية للحزب أكثر من كونها انتصارًا صريحًا للقيادة.
وأضاف جودار: فوز أوليفييه فور بنسبة 50.9% فقط، رغم أنه الأمين العام المنتهية ولايته ويسيطر على أجهزة الحزب، يكشف عن أزمة ثقة عميقة داخل القاعدة الاشتراكية. هذه ليست نتيجة حسم، بل أشبه بوقف إطلاق نار مؤقت بين تيارين متعارضين فكريًا داخل الحزب”.
وتابع: “رغم أن فور خرج فائزًا، فإن نصف الحزب تقريبًا لا يتبنى خطه السياسي الذي يميل إلى التحالف مع اليسار الراديكالي عبر تحالف (نوبس). وهذا قد يُقيد قدرته في فرض قرارات استراتيجية داخلية أو حتى في خوض الاستحقاقات الكبرى مثل رئاسيات 2027 بثقة موحدة”.
ورأى أن “التحدي الأكبر أمام أوليفييه فور الآن ليس مجرد توحيد الحزب، بل إقناع من تبقى من قاعدته بأن الاشتراكيين ما زالوا يمتلكون مشروعًا سياسيًا مستقلًا ومقنعًا، وإلا فإن الحزب سيواصل الذوبان بين أطياف اليسار الأخرى، دون هوية واضحة أو مرشح رئاسي قوي.
هل يمكن للحزب استعادة مكانته في 2027؟
رأى مورو أن التحولات العميقة في المشهد السياسي الفرنسي، والتي تُترجم بصعود أقصى اليمين المتطرف وتراجع شعبية الأحزاب التقليدية، تطرح تحديات جدية على الحزب الاشتراكي.
ورداً على سؤال هل يستطيع الحزب الاشتراكي تقديم مرشح قوي ومقنع في رئاسيات 2027؟، قال الباحث السياسي الفرنسي: “حالياً، لا يملك الحزب شخصية تحظى بالإجماع، كما أن الشرخ الداخلي يُضعف قدرته على إطلاق ديناميكية انتخابية موحدة. وفي ظل تقلبات الناخب الفرنسي، بات خيار “التحالف اليساري الضروري” هو ما يقسم الحزب بدلاً من أن يوحده.
ورغم أن الانتخابات لم تنته بانفجار داخلي، إلا أن جراح الحزب لم تندمل، يقول مورو، مشيرا إلى أن مستقبل يبقى الحزب الاشتراكي مرهوناً بقدرة قيادته على رأب الصدع، إعادة تعريف المشروع السياسي، وفتح حوار صريح مع القواعد الغاضبة.
وفور فاز بالكاد بنسبة 50.9% مقابل 49.1% لرئيس بلدية روان نيكولا ماير-روسينيول، بعد ليلة انتخابية عاصفة أعادت إلى الأذهان ذكريات الانقسامات المريرة في مؤتمري مرسيليا 2023 وريمس 2008.