مالي في دائرة الاحتدام: هل يتمكن “الجنوب” من مواجهة التحديات الكبرى؟

مالي في دائرة الاحتدام: هل يتمكن “الجنوب” من مواجهة التحديات الكبرى؟


لم تعد نيران الحرب في مالي محصورة في الشمال المضطرب والوسط المشتعل، بل ها هي تمتد جنوبًا.

وتضرب النيران في الوقت الراهن قلب مناطق كانت تُعدّ آمنة لعقود. إذ قتل 5 جنود في هجوم على موقع عسكري ما يطرح تساؤلات ملحة بشأن ما إذا كانت الجماعات المسلحة بدأت قلب قواعد اللعبة وتوسيع رقعة المعركة؟

الهجوم، الذي نفذته مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تنتمي إلى فصائل “إرهابية”، يأتي ضمن موجة متصاعدة من الاعتداءات التي لم تَعُد تقتصر على المناطق الشمالية والوسطى، بل بدأت تتسلل إلى الجنوب، مهددةً بتوسيع جغرافيا النزاع داخل البلاد.

وفي جنوب مالي، تعرض موقع عسكري للهجوم من قبل رجال مسلحين، في سياق تصاعد الهجمات ضد مواقع القوات المسلحة المالية، بحسب مصادر محلية، ما أسفر عن مقتل 5 جنود وإصابة نحو 10 آخرين، بالإضافة إلى حرق مركبة عسكرية.

وتشير التقديرات إلى أن المهاجمين تكبدوا خسائر كبيرة أيضا واضطروا إلى التراجع تاركين أسلحة وذخائر، بحسب إذاعة “إر.إف.إي” الفرنسية.

وفي بيان للجيش المالي، أُعلن أن الوضع “تحت السيطرة” وأن “تعزيزات برية وجوية” في طريقها إلى المنطقة. إلا أن شهودًا محليين، بينهم معلم بالمنطقة، أكدوا أن “أكثر من 50 إرهابياً” شنوا الهجوم، وأن الجيش انسحب، ما سمح للمهاجمين بالاستيلاء على أسلحة من داخل المعسكر.

وجاء الهجوم بعد أيام فقط من هجوم آخر على معسكر بولكيسي في وسط البلاد، خلف 30 قتيلاً، وأعقبه هجوم ثالث على معسكر في تمبكتو (شمال مالي).

هل بدأت الجماعات المسلحة بنقل المعركة خارج معاقلها التقليدية؟

يشير هذا الهجوم إلى تحوّل استراتيجي ملحوظ في تحركات الجماعات المسلحة، وهو ما أكده المحلل السياسي المالي أداما سانغاري في تصريح لـ”العين الإخبارية” قائلا: “نحن نشهد اتساعًا للجبهة الإرهابية باتجاه مناطق كانت تُعد آمنة نسبيًا. الجنوب، وخاصة سيكاسو، لم يكن مسرحًا لهجمات بهذا الحجم، مما يؤكد أن الجماعات المسلحة تحاول إرباك الجيش وفتح جبهات جديدة لتخفيف الضغط عن معاقلها التقليدية في الشمال والوسط”.

ويرى سانغاري أن هذا التحول يعكس قدرة تنظيمية عالية وتحركات لوجستية مسبقة، ما يدحض الرواية الرسمية التي تصف هذه الجماعات بأنها “على وشك الانهيار”.

هل الجيش المالي يقاتل وحيدًا؟

منذ انسحاب القوات الفرنسية والدولية في أعقاب الخلافات السياسية مع المجلس العسكري الحاكم، يقف الجيش المالي في الخطوط الأمامية دون دعم جوي أو استخباراتي أوروبي. ويُعزز هذا التحدي تحالف الجماعات المسلحة فيما يُعرف بـ”ائتلاف الجماعات الإرهابية” كما سماه بيان الجيش المالي، والذي يتلقى – حسب البيان – دعماً داخليًا وخارجيًا.

وفي هذا السياق، يشير الباحث السياسي الفرنسي فيكتور دوفور، المتخصص في شؤون الساحل لـ”العين الإخبارية” إلى: أن “انسحاب فرنسا لم يُترك دون فراغ. فراغ القوة والتنسيق الاستخباراتي كان واسعًا، والبديل الروسي ممثلاً بقوات فاغنر لم يُثبت حتى الآن فعالية استراتيجية في احتواء التهديد”.

وبحسب دوفور، فإن مالي تقاتل بلا حلفاء إقليميين بعد تفكك التعاون مع دول غرب أفريقيا”، خصوصًا بعد انسحاب مالي من مجموعة الإيكواس (ECOWAS) وتحولها نحو تحالف سياسي هش في “تحالف دول الساحل” (AES) مع بوركينا فاسو والنيجر.

ما التحديات التي تواجه مالي؟

ورأى دوفور، أن من بين التحديات التي تواجه مالي، غياب الغطاء الاستخباراتي والدعم الجوي الأوروبي، وامتداد رقعة النزاع إلى مناطق جديدة (الجنوب)، وضعف التحالف العسكري داخل منطقة الساحل، كما تواجه مالي أزمات داخلية، مثل انعدام ثقة شعبي، وتراجع اقتصادي، وتوترات بين المدنيين والعسكر.

إلى أين يتجه النزاع؟

بحسب محللين عسكريين، مالي تواجه الآن لحظة مفصلية؛ فإما أن تنجح في إعادة ترتيب منظومتها الأمنية بالاعتماد على قدراتها الذاتية وبعض الشراكات الجديدة، أو أن تنزلق إلى حالة من الانهاك الأمني، قد تؤدي إلى انتشار حالة “صوملة جزئية” في الجنوب والوسط.

aXA6IDE1NC43My4yNDkuNTkg