حرب ترامب على الصلب والألمنيوم: دعم الصناعة أم إضرار بها؟

حرب ترامب على الصلب والألمنيوم: دعم الصناعة أم إضرار بها؟

تم تحديثه الثلاثاء 2025/6/10 12:31 م بتوقيت أبوظبي


دخل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50% حيّز التنفيذ يوم الأربعاء الماضي.

دخل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50% حيّز التنفيذ يوم الأربعاء الماضي. ورغم أن ترامب برّر هذا القرار بضرورات “الأمن القومي” وإعادة إحياء الصناعة الأمريكية، إلا أن خبراء الاقتصاد والتجارة يرون أن هذه الخطوة ستضرّ بالصناعة الأمريكية، وتعرقل المفاوضات التجارية مع الشركاء الدوليين، ولن تعالج المشاكل الهيكلية التي يعاني منها قطاع الصلب عالميًا منذ عقود.

ووفقا لتقرير مجلة فورين بولسي، تم تفعيل هذه الزيادة استنادا إلى المادة 232 من قانون توسيع التجارة، والتي تمنح الرئيس صلاحيات واسعة لفرض قيود تجارية على أساس تهديدات مزعومة للأمن القومي.

وفي الأمر التنفيذي، صرّح ترامب بأن “الواردات الحالية من الصلب والألمنيوم تهدد بإضعاف الأمن القومي للولايات المتحدة”، مؤكدًا أن هذه الرسوم ضرورية لمواجهة إغراق الأسواق الأمريكية بالصلب والألمنيوم الرخيص، وإعادة المصانع الأمريكية إلى العمل.

حرب الصلب.. كيف تعيد قرارات ترامب تشكيل خريطة تجارة الحديد عالميا؟

حجج فارغة

لكن هذه المبررات، بحسب المحللين، لا تعكس الواقع. فالواردات الأمريكية من الصلب انخفضت خلال العام الماضي، بما في ذلك بعد الموجة الأولى من الرسوم التي فرضها ترامب. وفي الوقت ذاته، تعمل مصانع الصلب الأمريكية حاليًا بمستويات إنتاج أعلى من السنوات الماضية.

ووفقا لجوش سبورز، كبير محللي الصلب في مجموعة CRU للاستشارات الصناعية فإن “الرسوم لا تفعل شيئًا سوى رفع أسعار الصلب محليًا”. وهذا بدوره يُثقل كاهل الشركات الأمريكية التي تستخدم الصلب من شركات السيارات والسفن إلى البناء والطاقة والتي كانت بالفعل تدفع أسعارًا أعلى من منافسيها في أوروبا والصين.

والتأثيرات السلبية ليست نظرية فقط، حيث وتشير التقديرات إلى أن الرسوم السابقة على الصلب تسببت في فقدان عشرات الآلاف من الوظائف الصافية في الاقتصاد الأمريكي، ويُتوقع أن تؤدي الجولة الجديدة من الرسوم إلى ارتفاع إضافي في التكاليف، ما يزيد من الضغوط على الشركات والمستهلكين على حد سواء.

ومن المفارقات أن قطاع النفط والغاز، وهو من القطاعات التي طالما دعمها ترامب، سيكون من أولى المتضررين. فحوالي نصف معدات الحفر — من أنابيب وأغلفة وغيرها — يتم استيرادها، وليس هناك قدرة إنتاجية محلية جاهزة لتعويض هذا النقص.

ووفقا لسبورز: “هذا سوق غير مرن. والطلب موجود بغض النظر عن السعر، والآن الأسعار أصبحت أعلى فقط.”

الأمر نفسه ينطبق على بناء السفن والسيارات، وهما قطاعان آخران يُعتبران من أولويات ترامب الاقتصادية. فبناء السفن يحتاج إلى أنواع معينة من صفائح الصلب وعقود طويلة الأمد لتبرير الاستثمار المحلي، وهو أمر غير متوفر حاليًا. أما السيارات، فهي تتطلب نوعية عالية جدًا من الصلب، تخضع لاختبارات دقيقة، ولا يمكن إنتاجها محليًا بسرعة.

ويضيف سبورز: “تحتاج إلى خمس سنوات لتشغيل مصنع ينتج صلبًا بجودة السيارات، والرسوم الجمركية يمكن أن تُلغى بتغريدة واحدة. لا أحد سيستثمر مليارات في مثل هذا الغموض”.

على الصعيد الدولي، جاءت الزيادة الأخيرة في الرسوم في وقت حساس من المفاوضات مع عدد من الشركاء التجاريين. المكسيك وكندا، اللتان فُرضت عليهما العديد من الرسوم هذا العام، تبحثان الآن في ردود محتملة. والمكسيك هددت بإجراءات انتقامية، بينما تتخذ الحكومة الكندية الجديدة موقفًا حذرًا، لكنها مستعدة للتحرك إذا لزم الأمر.

أما المملكة المتحدة، التي توصلت مؤخرًا إلى إطار مبدئي لمفاوضات تجارية مع الولايات المتحدة، فتشعر بالقلق من أن الرسوم الجديدة قد تُعقّد الأمور، خاصة وأن الكثير من مصانع الصلب البريطانية مملوكة لشركات هندية. أما الاتحاد الأوروبي، والذي امتنع عن الرد بعد الجولة الأولى من الرسوم، فهو الآن يعيد دراسة خياراته، وبدأ في تجهيز قائمة من الرسوم الانتقامية بمليارات الدولارات.

ويرى المحامي سكوت لينسكم من معهد كاتو أن الإجراءات الحالية تكشف مدى اتساع صلاحيات المادة 232، قائلاً: “ترامب لا يحتاج إلى مبررات منطقية. لقد تعلمنا مع المادة 232 أنه يمكن للرئيس أن يصف أي شيء بأنه تهديد للأمن القومي، والمحاكم على الأرجح لن تعترض”.

وفي الواقع، استخدم ترامب نفس المادة لفرض رسوم على منتجات بعيدة عن مفاهيم الأمن القومي، مثل الأخشاب الكندية ومقاعد السيارات المكسيكية. ويعتبر محللو التجارة هذا النهج انتهاكًا لفصل السلطات، ويخشون أن يؤدي إلى تآكل النظام التجاري العالمي القائم على القواعد.

المشكلة الحقيقة

لكن ما يثير قلق الخبراء بشكل أكبر هو أن هذه الرسوم تتجاهل المشكلة الحقيقية في سوق الصلب العالمية وهي فائض الإنتاج. فالصين وحدها تنتج أكثر من مليار طن سنويا أي أكثر من نصف الإنتاج العالمي في حين تنتج الولايات المتحدة حوالي 80 مليون طن فقط.

ولسنوات، حاولت الولايات المتحدة وأوروبا العمل معا للحد من الفائض العالمي من خلال اتفاقيات ومبادرات تراعي قواعد التجارة والمخاوف البيئية. إلا أن هذه الجهود تم تجاهلها لصالح سياسات ترامب الانعزالية، وهو ما يُثير استياء الخبراء البيئيين والمفاوضين التجاريين في آنٍ واحد.

وبينما تستخدم إدارة ترامب مسوغات الأمن القومي لتبرير هذه الخطوات، فإن العديد من الخبراء يرون أنها مجرد وسيلة للالتفاف على الكونغرس والمحاكم، وفرض أجندة حمائية قد تضر الاقتصاد أكثر مما تنفعه.

وفي النهاية، لا توفر هذه الرسوم الجمركية طريقًا واضحًا نحو إعادة إحياء الصناعة الأمريكية ، بل تُلقي بالمزيد من العراقيل أمام الشركات والمستهلكين، وتزيد من تعقيد العلاقات التجارية الدولية، دون معالجة جوهر المشكلة التي تُهدد صناعة الصلب عالميًا: الإنتاج المفرط وضعف التنسيق الدولي.

aXA6IDE1NC43My4yNDkuNjMg