بعد شهر من الحكم… هل ستحول ميرتس دبلوماسية ألمانيا؟

بعد شهر من الحكم… هل ستحول ميرتس دبلوماسية ألمانيا؟


شهر واحد أمضاه المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس في منصبه، ورغم أنه لم يحظَ بأفضل الفرص، لكنه يُحسن التصرّف بشكل مفاجئ.

على النقيض من الاجتماعات الكارثية التي شهدها المكتب البيضاوي، حصل المستشار الألماني فريدريش ميرتس على إشادة نادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال عنه: «إنه رجل سهل التعامل.. قد يكون صعب المراس، لكنه ممثل عظيم لألمانيا».

وبدلًا من التظاهر الذي مارسه أقرب نظيرَيه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لم يضع ميرتس يده على ركبة ترامب أو يُخرج رسالة ملكية، بل كانت هديته متواضعة بعض الشيء، حيث منح الرئيس الأمريكي نسخة مؤطّرة من شهادة ميلاد جد ترامب.

ومع ذلك، أعطت الهدية نبرة مناسبة، متحفّظة ومهذبة للغاية، لذا قال ميرتس لنفسه خلال رحلة العودة إلى ألمانيا إن «المهمة أُنجزت»، وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية.

دبلوماسية نشطة

وأشارت «بوليتيكو» إلى أنه خلال الشهر الذي قضاه في المنصب، بدأ ميرتس حملة ترويجية واسعة، وبالمقارنة مع فترة سلفه أولاف شولتس، الذي افتقر إلى الكاريزما، فإن الفارق واضحٌ للغاية. لكن السؤال: هل حقق ميرتس أي شيء ملموس؟ وهل لدى حكومته سياسة خارجية ملموسة؟

حتى الآن، حسّن ميرتس العلاقات مع فرنسا، بعدما كانت في حالة تدهور مُقلقة، كما سعى جاهدًا لإعادة البريطانيين إلى صفوفه، وتوجّه مباشرةً إلى بولندا، رغم أن فوز أقصى اليمين في انتخابات الرئاسة قد يعرقل أي تقدم بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، زار ميرتس دول الشمال الأوروبي، وحضر مراسم نداء الأسماء للواء الليتواني الألماني في فيلنيوس، كما أقام علاقة جيدة مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، صاحبة النفوذ الدائم.

نتائج محدودة

لكن ترامب كان أول اختبار كبير، وبينما أثمر نهج ميرتس بالفعل من حيث أجواء المؤسسة الألمانية، إلا أنه لم يُثمر عمليًا، وهو ما يرجع إلى الحقيقة المحزنة المتمثّلة في أن الألمان، والفرنسيين، والبريطانيين أيضًا، أصبحوا مجرد لاعبين ثانويين في الصراعين الرئيسيين المستمرين، وهما أوكرانيا وغزة، وذلك وفقًا لما ذكرته «بوليتيكو».

وقالت المجلة إن ميرتس اجتمع شخصيًا بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثلاث مرات منذ توليه منصبه، لكنه لم يفِ بوعده الذي قطعه عندما كان في المعارضة، وهو السماح بإرسال صواريخ «توروس» الألمانية إلى كييف، لكنه تبنّى بدلًا من ذلك المسار الفرنسي المتمثل في الغموض الاستراتيجي، لتجنّب الكشف علنًا عن تفاصيل الأسلحة المرسلة.

وفيما يتعلق بالقضية الأهم، وهي إقناع ترامب بدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الانخراط بجدية في محادثات السلام، فيبدو أن لا ميرتس ولا ماكرون ولا ستارمر يحققون أي تقدم.

تحوّل استراتيجي؟

ويكمن الاختلاف الأكبر في نبرة برلين في أن ميرتس تحدث عن «تحوّل ثقافي استراتيجي في السياسة الخارجية والأمنية»، يحوّل ألمانيا من «قوة متوسطة نائمة» إلى «قوة متوسطة رائدة».

كان وزير الخارجية يوهان فادفول أول من تحدث بصراحة عن نسبة «5% من الناتج المحلي الإجمالي» للإنفاق العسكري، وهي زيادة هائلة عن النسبة الحالية التي تزيد قليلاً عن 2%.

وعلى الرغم من أن هذا الرقم ليس سوى طموح، ويشمل 1.5% مما يُسمى «البنية التحتية الحيوية»، والتي قد تعني أي شيء تقريبًا، إلا أنه لا يزال يمثل تغييرًا جذريًا أقرّ به ترامب. لكن مدى سرعة تحقيق ذلك، أو إن كان سيتحقق أصلًا، يبقى أمرًا غير معروف.

وفي الوقت نفسه، يُجري ميرتس تجديدات في هياكل الحكومة لتلبية الأولويات الجديدة. فبعد سنوات من المماطلة، أنشأت المستشارية مجلسًا للأمن القومي، بصلاحيات واسعة النطاق في جميع قضايا الأمن.

ولأول مرة منذ عقود، أصبحت وزارة الخارجية في أيدي حزب ميرتس الحاكم، وهو الحزب الديمقراطي المسيحي.

لكن أكثر ما يُربك ميرتس هو نهج برلين تجاه الشرق الأوسط. فبسبب تاريخها النازي، جعلت ألمانيا من بقاء إسرائيل «سببًا من أسباب وجودها».

ومع ذلك، يبدو أن إدارتي شولتس وميرتس غير قادرتين وغير راغبتين في التمييز بين معاداة السامية وبين انتقاد الدمار الذي تتسبب فيه إسرائيل في غزة، لذا فعندما وقّعت فرنسا والمملكة المتحدة وكندا رسالة مشتركة تُهدد إسرائيل بـ«إجراءات ملموسة»، وقف ميرتس منعزلًا.

ورغم أن ميرتس انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة، إلا أن هذا الانتقاد أعقبه تطمينات باستمرار مبيعات الأسلحة، حيث تُعد ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل في العالم، وثاني أكثر داعميها صراحةً بعد الولايات المتحدة.

وحتى في عام 2024، وافقت الحكومة السابقة على صادرات بقيمة 160 مليون يورو، بما في ذلك محركات لدبابات ميركافا الإسرائيلية. لكن التفكير بدأ يتغير خلف الكواليس، خاصة وأن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع الدعم الشعبي الألماني لإسرائيل.

قمة الناتو.. الاختبار المقبل

والآن، سيكون الاختبار الكبير التالي لميرتس، ولأوروبا أيضًا، هو قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المقبلة في لاهاي، حيث يسعى الأمين العام للحلف، مارك روته، لجعل هذه القمة احتفالية بترامب، مع إبقاء المناقشات الخلافية بعيدة عن طاولة النقاش، وحفظ الخلافات، بهدف منع الرئيس الأمريكي من التخلي عن الغرب.

لذا، فعلى الرغم من أن ميرتس قد لا يكون لديه الكثير ليقدمه، فإن مغامراته الأولى في الدبلوماسية الدولية تشير إلى أنه بدأ يجد موطئ قدم له بسرعة.