للقضاء على التلوث الضوئي: تغليف الأقمار الصناعية بأحلك مادة في العالم

ابتكر علماء طلاءً فضائيا فائق السواد لتقليل لمعان الأقمار الصناعية، ما قد يمثل نقطة تحوّل في جهود الحفاظ على السماء المظلمة.يأتي ذلك، في ظل تصاعد القلق العالمي من تلوث الضوء الناتج عن أقمار الإنترنت الصناعية مثل “ستارلينك”.
الفضاء لم يعد آمناً.. تغير المناخ يهدد الأقمار الاصطناعية
الطلاء الجديد، المعروف باسم ” فانتابلاك 310″، طُوّر بالتعاون بين عالمة الفلك نويلّا نويل من جامعة سَري وشركة ” ساري نانو سيستم”، ويُعدّ نسخة مطورة من الطلاءات السوداء السابقة المستخدمة في الأجهزة الفضائية، لكنه يتميز بسهولة تطبيقه ومقاومته لبيئة الفضاء القاسية.
ويُظهر الطلاء قدرة فائقة على امتصاص الضوء، إذ لا يعكس سوى 2% فقط من الضوء الساقط عليه، مقارنة بـ 5% لطلاءات أخرى متاحة حاليا، ما يعني تقليل كبير في البريق الظاهري للأقمار الصناعية عند رصدها من الأرض.
وتكمن أهمية هذا الابتكار في توقيته، إذ من المتوقع أن تزداد الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض إلى عشرات الآلاف خلال الأعوام المقبلة. ويتخوف الفلكيون من أن يشوّه هذا النمو الصور الفلكية، خاصةً مع قرب تشغيل مرصد فيرا روبين الذي تبلغ كلفته 1.9 مليار دولار، والمتوقع أن تتضرر نحو 40% من صوره بسبب خطوط الأقمار الصناعية اللامعة.
تقول نويل، التي نشأت في الأرجنتين وتربت على حب السماء الجنوبية المرصعة بالنجوم: “لقد أطلق البشر في آخر خمس سنوات عددًا من الأقمار الصناعية يفوق ما أُطلق خلال 60 عاما سابقة. وكان لزامًا عليّ أن أفعل شيئًا لحماية علم الفلك”.
النسخ السابقة من الطلاءات السوداء ” فانتابلاك” الأصلي، كانت تعتمد على أنابيب كربونية دقيقة جدًا تحتاج لتقنيات معقدة في التطبيق ولا تحتمل اللمس، ما حدّ من استخدامها. لكن الإصدار الجديد ” فانتابلاك 310″ يعتمد على تركيبة كربونية مختلفة، أكثر صلابة وأسهل استخداما، ومصمم لتحمّل الظروف القاسية في الفضاء.
ويقول كيران كليفورد، عالم المواد في الشركة المصنعة: “اختبرنا الطلاء لمحاكاة ثلاث سنوات في المدار، ونجح في الحفاظ على خصائصه، بينما فشلت طلاءات أخرى”.
ووفقا للمحاكاة، فإن استخدام الطلاء الجديد يمكن أن يجعل الأقمار الصناعية غير مرئية للعين المجردة، أي أن لمعانها سيكون عند قدر ظاهري 7 أو أكثر، مقارنة بـ3 إلى 5 في أقمار ستارلينك الحالية. يُذكر أن كلما ارتفع رقم القدر الظاهري، قلّ سطوع الجسم السماوي.
ومن المتوقع اختبار الطلاء قريبا في الفضاء عبر القمر الصناعي الطلابي ” جوبيتر 1″، حيث ستُطلى إحدى ألواحه الشمسية بالطلاء الجديد لقياس تغيّر لمعانه خلال الدوران.
ويأمل الفريق أن يشجع هذا الابتكار الشركات المصنعة على تبني التقنية الجديدة، وربما إحداث تغيير في السياسات المتعلقة بتقليل أثر الأقمار الصناعية على البحوث الفلكية.
تختم نويل حديثها قائلة: “الأقمار الصناعية تمثل إنجازا بشريا رائعا، لكننا بحاجة أيضا إلى الحفاظ على سماء صافية تُمكننا من استكشاف الكون، فالمراصد الكبرى استثمار هائل، ويجب أن نحافظ على جدواه العلمي”.