احتجاجات الهجرة: هل سيقوم الكونغرس بالتدخل لوقف ترامب؟

احتجاجات الهجرة: هل سيقوم الكونغرس بالتدخل لوقف ترامب؟


شهدت الولايات المتحدة مؤخرًا نشر 700 من مشاة البحرية في مدينة لوس أنجلوس، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول قانونيتها وتأثيرها على العلاقة المتبادلة بين الشعب الأمريكي وجيشه.

أحد الأسباب التي تجعل الأمريكيين يكنّون هذا القدر من الاحترام لجيشهم هو أنهم لا يخافونه. فقد أرسي جورج واشنطن هذا التقليد عندما أظهر اعتدالًا واحترامًا للقانون في تعامله مع تمرد مسلح حقيقي، بحسب مجلة فورين بوليسي.

ترامب وحاكم كاليفورنيا في اختبار«القوة»..ولوس أنجلوس مسرح المواجهة

وعلى مدار أكثر من قرنين، لم يُستخدم الجيش داخل البلاد إلا في حالات نادرة ووفق أطر قانونية صارمة، ما عزز ثقة المواطنين في التزام الرئيس والمؤسسة العسكرية بهذا النهج.

ومنذ عام 1878، أصبح استخدام الجيش النظامي الأمريكي في العمليات الشرطية الداخلية محظورًا بموجب قانون بوسيه كوميتاتوس، الذي يقيد تدخل الجيش في الشؤون الداخلية إلا في حالات استثنائية يقرها الكونغرس أو الدستور، أو إذا أعلن الرئيس رسميًا وقوع غزو أو تمرد.

في المقابل، يتمتع الحرس الوطني بمرونة أكبر، إذ يمكن استدعاؤه من قبل حكام الولايات أو بموافقة الكونغرس أو الحاكم لتنفيذ مهمات فيدرالية. وفي حالات نادرة، يمكن للرئيس استدعاء الحرس الوطني للخدمة الفيدرالية دون موافقة الحاكم، خاصة إذا عرقلت سلطات الولاية تنفيذ القانون الفيدرالي.

وقد استُخدم هذا الاستثناء في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لحماية الحقوق المدنية وفرض تنفيذ قرارات المحكمة العليا.

ويمنح قانون التمرد (Insurrection Act) الرئيس سلطات واسعة لاستعادة النظام، لكن القيود السياسية ظلت دائمًا عاملًا رادعًا أمام التوسع في استخدام الجيش داخليًا. فعلى سبيل المثال، لم يُفعّل الرئيس دونالد ترامب هذا القانون خلال ولايته الأولى رغم الضغوط، بعد معارضة وزير الدفاع مارك إسبر ورفض حكام الولايات.

اليوم، جاء نشر قوات مشاة البحرية في لوس أنجلوس دون وجود سلطة قانونية واضحة، إذ لم يُفعّل قانون التمرد بعد، رغم أن الرئيس وصف المتظاهرين بأنهم “عصابات عنيفة ومتمردة” وهدد باعتقال حاكم كاليفورنيا. هذه التصرفات تبتعد عن نهج القيادة الرشيدة في إدارة الأزمات الداخلية.

تاريخيًا، واجهت الولايات المتحدة تمردات حقيقية، مثل تمرد الويسكي عام 1791، حيث تعامل جورج واشنطن مع الأزمة بحكمة، مفضلًا التفاوض وفرض القانون عبر حكام الولايات، ولم يلجأ لاستدعاء الحرس الوطني إلا بعد الحصول على تصديق قضائي واضح.

وعندما استخدم القوة، كان ذلك في إطار قانوني صارم، ورافق قواته بنفسه، ما أدى إلى استسلام المتمردين دون مواجهة، وتقديمهم للمحاكمة، ثم العفو عنهم لاحقًا، وهو ما لاقى قبولًا شعبيًا واسعًا.

في المقابل، لم يوضح الرئيس الحالي الأساس القانوني لنشر القوات النظامية بنفس الشفافية، إذ اكتفت وزارة الدفاع بالإشارة إلى “سلطة تنفيذية” غامضة، بينما يحاول البيت الأبيض توسيع تفسير “بند تنفيذ القوانين” في الدستور لمنح الرئيس سلطة أوسع في حماية الممتلكات الفيدرالية وتنفيذ القوانين.

وقد صاحب ذلك تغييرات في الطاقم القانوني داخل وزارة الدفاع، في محاولة للحصول على تفسيرات قانونية أكثر مرونة.

وبحسب المجلة، تسعى الإدارة الحالية أيضًا إلى طمس الفوارق بين القيود المفروضة على القوات النظامية والصلاحيات الأوسع للحرس الوطني، حيث أعلنت قيادة الشمال الأمريكية أن قوات مشاة البحرية ستعمل “بسلاسة مع القوات النظامية، رغم أن مهامها يجب أن تقتصر، حتى وفق التفسيرات الموسعة، على حماية المنشآت الفيدرالية فقط، وليس تجاوز إرادة مسؤولي الولاية.

من اللافت أن الرئيس نفسه أقر بأن الاحتجاجات “تحت السيطرة تمامًا”، ما يعكس سوء نية في استخدام التهديد بالقوة العسكرية لترهيب المتظاهرين، بدلًا من السعي لنزع فتيل الأزمة.

في ظل هذه التطورات، تقع على عاتق الكونغرس مسؤولية ممارسة المزيد من الضغط السياسي لتقييد سلطات الرئيس في استخدام الجيش داخليًا.

ويمكن للمشرعين استدعاء القادة العسكريين للإدلاء بشهاداتهم حول النصائح التي قدموها للبيت الأبيض بشأن نشر القوات في لوس أنجلوس، كما ينبغي على الرئيس إلغاء قرار استخدام الجيش النظامي لضبط الاحتجاجات، لما لذلك من آثار سلبية على الروح المعنوية للجيش، وعمليات التجنيد، والعلاقة المتوازنة بين الشعب الأمريكي ومؤسسته العسكرية.

aXA6IDE1NC43My4yNTAuNjYg