ضغط نمو يهدد الاقتصاد الفرنسي.. البنك المركزي يقلص توقعاته مرة أخرى

ضغط نمو يهدد الاقتصاد الفرنسي.. البنك المركزي يقلص توقعاته مرة أخرى

تم تحديثه الخميس 2025/6/12 09:05 م بتوقيت أبوظبي


في ظل تصاعد الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن بنك فرنسا (المركزي الفرنسي) خفض توقعاته للنمو الاقتصادي للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر فقط.

وحذر بنك فرنسا من عواقب وخيمة على المدى المتوسط، ودعا إلى «جهد جماعي وعادل» يبدأ من الشرائح الأكثر ثراء في المجتمع الفرنسي.

بين «نار» التعريفات وجليد الدبلوماسية.. ترامب يفتح الخط مع شي

التباطؤ يشتد: نمو 2025 لا يتجاوز 0.6%

وأعلن البنك يوم الأربعاء أنه يتوقع نموًا اقتصاديًا لا يتجاوز 0.6% في عام 2025، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 0.9% ثم 0.7%، مبررًا هذا التراجع بزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات الأوروبية في أجواء عالمية يلفها الغموض، بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية.

وبعد تسجيل نمو بنسبة 1.1% في عام 2024، تتوقع المؤسسة المالية تباطؤًا أكبر خلال السنوات المقبلة، مع نمو يبلغ 1% فقط في 2026 و1.2% في 2027، أي أقل مما كان مرجحًا سابقًا.

من جانبه، قال البروفيسور جان مارك دوراند، أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون والمستشار السابق لدى وزارة المالية الفرنسية، لـ”العين الإخبارية” إن ما تشهده فرنسا اليوم من تباطؤ اقتصادي “ليس مفاجئًا بل نتيجة طبيعية لاعتماد طويل الأمد على بيئة تجارية مستقرة أصبحت الآن موضع تهديد مباشر”.

وقال دوراند “ما يقلق ليس فقط نسبة النمو الضعيفة، بل هشاشة محركات النمو نفسها. لقد ظلت فرنسا لسنوات تراهن على الصادرات والأسواق الخارجية، واليوم ندفع ثمن ذلك مع تصاعد السياسات الحمائية في الولايات المتحدة”.

وأضاف: “رغم جهود خفض العجز، فإن الحكومة تواجه معادلة صعبة: كيف نعيد التوازن للمالية العامة دون تقويض الاستهلاك والاستثمار؟ أي سياسة تقشف شديدة قد تعمق التباطؤ بدلًا من أن تحله”.

وحذر الخبير من أن التركيز المفرط على ضبط الميزانية قد يؤخر الانتعاش، مشددًا على أن “فرنسا تحتاج إلى تحفيز داخلي من خلال دعم الابتكار، وتحسين الإنتاجية، وإعادة هيكلة الإنفاق العام بدلًا من تجميده فقط”.

كما أشار إلى أن تحسن القدرة الشرائية وانخفاض التضخم “فرصة يجب اغتنامها”، داعيًا إلى “مواصلة دعم الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض لتعزيز الطلب الداخلي، بدل الاعتماد المفرط على ظروف السوق الدولية”.

وتابع: “ما نحتاجه اليوم هو سياسة اقتصادية متوازنة تعالج العجز دون التضحية بالنمو، وتستثمر في المستقبل بدل الانكماش أمام الحاضر”.

ترامب “يبعث الفوضى” في الاقتصاد العالمي

وقال فرانسوا فيليروي دي غالو، محافظ البنك، إن السياسات التجارية العدوانية للإدارة الأمريكية “تضر أولًا بالاقتصاد الأمريكي، لكنها تثقل كاهل النمو العالمي بأسره”.

وأضاف: “الاقتصاد الفرنسي الآن ينمو بمعدل أبطأ من جيرانه الأوروبيين، حتى وإن نجا من الركود”.

وتأتي هذه التوقعات في وقت تحاول فيه الحكومة الفرنسية سد فجوة مالية قدرها 40 مليار يورو (46.3 مليار دولار) بحلول 2026 لخفض العجز إلى 4.6%، ثم إلى أقل من 3% في عام 2029.

الدين العام يتضخم والبطالة مستقرة

رغم جهود التقليص، من المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وقد تتجاوز تكلفة خدمة الدين 100 مليار يورو (115.8 مليار دولار) بحلول عام 2030.

وفي المقابل، يُتوقع أن يبقى معدل البطالة مستقرًا نسبيًا عند 7.6% في 2025، و7.7% في 2026، لينخفض إلى 7.4% في 2027.

التجارة الخارجية تتضرر.. والطلب الداخلي يتحمل العبء

بعد أن كانت الصادرات محرك النمو الرئيسي في 2024، سيتحول الطلب الداخلي (لا سيما العام) وتغيرات المخزون إلى المحرك الأساسي للنمو في 2025، في ظل ضعف أداء التجارة الخارجية نتيجة الرسوم الأمريكية وقوة اليورو.

ويتوقع البنك أن يكون النمو في الربع الثاني من 2025 محدودًا عند 0.1%، وهو نفس المعدل في الربع الأول.

خسارة بمقدار 0.4 نقطة من النمو حتى 2027

بسبب الرسوم الجديدة (−0.1 نقطة) وحالة عدم اليقين التي تثيرها لدى المستهلكين والشركات (−0.3 نقطة)، تُقدّر الخسارة الإجمالية للناتج المحلي بـ0.4 نقطة بين 2025 و2027.

التضخم تحت السيطرة.. ونمو الاستهلاك قادم

من الإيجابيات البارزة في التقرير، أن البنك يرى أن “النصر على التضخم يبدو مستدامًا”، متوقعًا تراجع التضخم من 2.3% في 2024 إلى 1% فقط في 2025، بفضل انخفاض أسعار الطاقة، على أن يعود تدريجيًا إلى 1.4% في 2026 و1.8% في 2027.

كما يُتوقع أن تتحسن القدرة الشرائية للأسر، مما سيعزز استهلاكهم، في ظل زيادة الأجور أسرع من الأسعار، وتراجع أسعار الفائدة، ما سيدعم الاستثمارات في العقار والشركات على حد سواء.

«التعريفات الجمركية» تخطف الأضواء من الذكاء الاصطناعي.. 350 مقابل 200 ظهور

دعوة لضبط الإنفاق والمساءلة العادلة

وشدد المحافظ فيليروي على ضرورة تثبيت الإنفاق العام (باستثناء التضخم)، وبلوغ هدف العجز البالغ 3% في 2029 “بشكل صارم”، كما دعا إلى دراسة خيار “تجميد الميزانية” لسنة واحدة، إذا استمرت أسعار المستهلكين في الانخفاض.

في المحصلة، تجد فرنسا نفسها في مفترق طرق اقتصادي حساس، يتطلب توازنًا دقيقًا بين العدالة الاجتماعية، وخفض العجز، واستعادة النمو في ظل رياح عالمية معاكسة تثار من واشنطن.