عبقرية لحن تجاوزت حدود الإعاقة.. في ذكرى ميلاده كيف غيّر عمار الشريعي شكل الموسيقى التصويرية؟

رغم ولادته كفيفًا، فإن الموسيقار عمار الشريعي لم يرَ العالم بعينيه، بل سمعه بقلبه، وقرأه بأذنيه، وترجمه ألحانًا صارت جزءًا من ذاكرة الوطن، وفي 16 أبريل من كل عام، تتجدد ذكرى ميلاد من علّمنا أن الموسيقى لا تحتاج إلى عينين بل إلى روح ترى أكثر.

البداية من المنيا.. والنهاية في كل بيت

وُلد عمار علي محمد إبراهيم الشريعي في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا عام 1948، وواجه منذ اللحظة الأولى تحدي فقدان البصر، لكنه لم يرَ في إعاقته عجزًا، بل دافعًا لاكتشاف نفسه ومواهبه، تعلّم العزف على الأكورديون صغيرًا، وبدلًا من اللعب، كان يصنع من النغمات ألعابه.

من القانون إلى الألحان

كان يمكن أن يكون موظفًا في أي مؤسسة، أو مترجمًا للإنجليزية، لكنه اختار طريقًا مختلفًا: طريق الفن درس الموسيقى بجدية، وبدأ رحلته في التلحين عام 1975، ليصنع بعد ذلك مدرسة موسيقية خاصة به، لا تقل أهمية عن مدارس السنباطي وبليغ حمدي.

رائد الموسيقى التصويرية وتترات المسلسلات

حين تسمع مقدمة رأفت الهجان أو ليالي الحلمية، أو الشهد والدموع، فأنت أمام توقيع لا يُنسى، عمار الشريعي كان مهندس المشاعر في دراما الثمانينيات والتسعينيات، أبدع في الربط بين اللحن والمشهد، وخلق هوية موسيقية للمسلسل المصري لم تكن موجودة من قبل.

الأصدقاء.. مشروع فني سابق لعصره

في عام 1980، أطلق فرقة الأصدقاء، وراهن على أصوات جديدة مثل منى عبد الغني وحنان وعلاء عبد الخالق، أراد أن يصنع جيلًا مختلفًا من المطربين، لا يعتمد فقط على الصوت، بل على الفكرة والرسالة. وكان له ما أراد، فقد أصبحت الفرقة علامة مميزة في الأغنية الشبابية آنذاك.

صوت العقل على موجات الإذاعة

لم يكتفِ الشريعي بالموسيقى، بل كان أيضًا مثقفًا ومحللًا موسيقيًا بارعًا، برنامجه غواص في بحر، النغم الذي أذاعته إذاعة الشرق الأوسط، كشف عن عقل موسيقي يحلل ويشرح دون تعقيد، ويقدّم الموسيقى كجزء من الثقافة اليومية للمواطن.

تكريمات بعد الرحيل

رغم رحيله في ديسمبر 2012، لا تزال الجوائز والتكريمات تذكرنا به، حصل على جائزة الدولة للتفوق في الفنون، وتكرّمت سيرته في أكثر من مهرجان ومؤسسة، لكن يبقى الأهم: أن موسيقاه تُكرّمه يوميًا، كلما انطلقت من راديو أو شاشة أو ذاكرة.

ألحان لا تموت

لم تكن ألحان عمار الشريعي مجرد أنغام، بل كانت حكايات، وجدان، وهوية. علّمنا أن التحدي لا يُقاس بالبصر، بل بالبصيرة، وفي ذكرى ميلاده السابعة والسبعين، نقول: شكرًا لمن جعل من النغم وطنًا، ومن الموسيقى شفاءً.