وعد اليانصيب
• زمان كل حاجة كانت أحلى.. الحب، والصداقات، والعلاقات، والفن، وكل تفاصيل الحياة كانت أروق وأمتع وحقيقية أكتر.. النهارده بقت المساحة هي المسيطرة، وصحيح إن كل حاجة موجودة، بس للأسف كده وكده.. يعني فيه حب، بس كده وكده.. فيه صداقة، بس كده وكده.. الكده وكده، والبين بينين، هما الطعم الرئيسي للحاجات حالًا لكن في سنة 2020 حصل موقف غريب شوية بيكسر القاعدة دي، وبيقول إن أطراف أيّ شيء لو كانوا عايزين يحافظوا عليه حقيقي وله طعم مميز، هيقدروا يعملوا ده بسهولة.. بس قبل 2020، خلينا نرجع لسنة 1990 يعني قبلها بـ28 سنة كاملين.. وقتها كان الشابين الأمريكيين توماس كوك، وجوزيف فيني صديقين مقرّبين قُرب فوق الوصف الاتنين شباب بيعملوا كل حاجة حرفيًّا سوا ومع بعض المذاكرة مع بعض، مشوار المدرسة مع بعض، الفُسح مع بعض، حتى المشاوير العاطفية كانوا متفقين إنهم يعملوها سوا، وإن كل واحد فيهم يكون عون لصديقه في تنفيذ خطط الحب الطفولية عشان يوصل لحبيبته، وده اللي كانوا بيعملوه بمنتهى النجاح، ساهم كمان في متانة علاقتهم إنهم ما دخلوش طرف تالت ما بينهم، ففضلوا هما الاتنين بس اللي أصدقاء.. يدخل حياتهم ناس، ويخرج ناس، لكن في إطار الزمالة والمعارف، لكن الصداقة كصداقة توماس ما يعرفش إلا جوزيف، وجوزيف ما يعرفش إلا توماس.
قوة علاقتهم كمان كان ليها سبب تاني، وهو إن الاتنين اتفقوا بوعد واضح وصريح ومفيهوش أيّ مواربة إنهم يكونوا سوا في كل حاجة يتقاسموا كل حاجة، حزنك وحزني واحد، وفرحتنا واحدة، يعني مثلًا لو واحد فينا عاجبه فيلم، يبقى يشتري تذكرتين، لأنه مش هيقدر ولا هيجيله نفس يدخل لوحده، وهكذا بقى قيس كل حاجة على نفس المنوال، كان كفاية جدًا إن كل واحد فيهم يبص في عين التاني ويفكره لو حس إنه نسي فتلاقي توماس مثلًا قال لصديقه: جوزيف!، الوعد!.. فيفتكر جوزيف الوعد، فيتراجع عن اللي كان ناوي يعمله لوحده، هو ده نمط حياتهم اللي استمر بينهم حتى لما كل واحد فيهم بقى له حياته واتجوز وخلف حصل خلاف قوي شوية بين الصديقين، والعلاقة بينهم للأسف انقطعت.. محدش عارف السبب الحقيقي، بس الخلاف حصل سنة 2019، وفضلوا لمدة سنة كاملة مش بيكلموا بعض.
وفي سنة 2020، كان توماس موجود في محطة بنزين عشان يموّن عربيته بالبنزين لقى بياع تذاكر يانصيب مصمِّم يبيع له تذكرة، الحنين اللي حس بيه توماس وهو منتظر دوره عشان يموّن العربية، خلاه يفتكر صاحبه اللي وحشه، وخلاه برضه يستجيب لإلحاح بياع التذاكر ويشتري منه تذكرة يانصيب، مر شهر على الموقف ده، وقبل نهاية سنة 2020، تم إعلان نتيجة القرعة اللي أسفرت عن فوز التذكرة اللي اشتراها توماس بمبلغ 22 مليون دولار أمريكي، بمجرد ما عرف توماس المعلومة، قام يلبس هدومه، عشان قرر يروح تحت بيت صاحبه زي أيام لما كانوا عيال عشان ينده عليه، زوجة توماس سألته وهو بيلبس هدومه: أنت رايح ليه لـ جوزيف؟!، قال لها ببساطة: عشان يفرح معايا، وعشان أديه 11 مليون، نصّ المبلغ، مراته كانت هتتجنّن، وسألته: نص مبلغ إيه اللي تديهوله!.. أنت اتجنّنت!.. أولادنا أولى بالفلوس اللي هتترمي على الفاضي دي!.. طنّش كلامها، وقال وهو بيكمّل لبسه: بيني وبين صديقي وعد، إن كل شيء حلو أوي أو وحش أوي نقسمه سوا.. لو كنت شخص مش بيلتزم بوعوده، فده شيء يخليكي لا تثقي فيّا في أيّ شيء كزوج أصلًا!.. رمى الكلمتين في وشّها وخرج بسرعة قبل ما تلحق ترد عليه، ووقف تحت شباك بيت صاحبه ونده عليه بصوت عالي.. جوزيف خرج من الشباك وهو لابس بيچامة، وبص له بصة عتاب، وسأله: ماذا تريد يا توماس؟.. توماس رفع ورقة اليانصيب لفوق، وقال وهو بيضحك: بل أنت من تريد يا جوزيف.. جوزيف كان ذكي بما فيه الكفاية عشان يفهم صديقه يقصد إيه، فقال بمنتهى الفرحة: ربحت الجائزة الكبرى.. هز توماس رأسه وهو في قمة السعادة، فنزل صديقه جري وحضنوا بعض في جنينة البيت، فناول توماس الورقة لجوزيف، وقال له: لك النصف.. جوزيف اتخض لأنه كان فاكر إن صديقه بيهزر كالعادة، فسأله: أيّ نصف؟!.. رد توماس ببساطة: نصف الجائزة، ونصف أيّ شيء جميل، هكذا اتفقنا وهكذا كان وعدنا لبعضنا البعض يا صديقي.. رغم محاولات جوزيف المستمرة عشان يثني صديقه عن قراره، إلا إن قرار توماس هو اللي اتنفّذ في النهاية، بسبب وعد حاسم وواضح وصريح، خده شابين صغيرين، وفضل مكمّل معاهم للنهاية، بدون حسابات الغيرة والنفسنة.
• فيه مجموعة أبيات شعرية ماقدرتش للأسف أوصل لكاتبها الأصلي، خصوصًا إن الناس انقسموا بين نسبها لـ أبو العتاهية، والبعض الآخر نسبوها لمجموعة أسماء كبيرة مختلفة حديثة وقديمة.. الأبيات بتقول:
بعض النفوس كبعض الصخور، ففيها النفيس وفيها الحجر..
وبعض الأنام كبعض الشجر، جميل القوام شحيح الثمر..
وبعض الوعود كبعض الغيوم، قوي الرُّعُود شحيحُ المطر..
وكم من كفيف بصير الفؤاد، وكم من فؤاد كفيف البصر.
لو مش هتقدر تنفّذ، ولو مش ناوي تنفّذ، ولو مش عارف تنفّذ، بلاش توعِد.. بناءً على وعدك، فيه ناس بترتب تفاصيل حياتها عليك، ولما مش بتوفي بوعدك، ترتيباتهم بتتهد، وقبلها ثقتهم في غيرك بتنتهي.. لو الكلمة تقيلة عليك، يبقى الأولى إنها ما تخرجش من بُقّك أصلًا.. كمان مفيش حاجة اسمها نص وعد!.. نص الوفاء بالوعد زيه زي عدم الوفاء بالظبط، وإلا أوعِد وعد كامل على قد النص من الأول.. وكما قيل: افعل ما شئت ولكن لا تُخْذِل شخصًا وثق بك.