سيارات البيك أب تحصد أرواح 8 طلاب.. ورحلة المحافظ لإحلالها بـ ميكروباصات | القصة الكاملة
لم يعلم أي من ضحايا حادث تصادم سيارتين نقل على الطريق الصحراوي الغربي بمركز ملوي بمحافظة المنيا، والذي أسفر عن مصرع 8 طلاب وإصابة 25 أخرين، أن ذهابهم للبحث عن رزقهم ستكون الرحلة التي يُكتب فيها آخر فصل في حياتهم.
حادث تصادم سيارتين بملوي
في الساعة الثانية من ظهر اليوم الأحد وتحديدا بالطريق الصحراوي الغربي وقع حادث تصادم بين سيارتي نقل، إحداهما محمله بالقصب والأخرى تحمل عمالا وصل عددهم لـ35، بالمخالفة لقرار محافظ المنيا اللواء عماد الكدواني، بحظر استخدام سيارات البيك أب، لأنها وسيلة نقل أدمية غير أمنة، وتشكل خطرا على أرواح المواطنين على رمال الطريق الصحراوي الغربي، وتحولت الرمال الصفراء إلى حمراء بعد أن سالت دماء 8 طلاب، وصعدت أرواحهم إلى بارئها، متأثرين بإصاباتهم جراء الحادث الأليم المفجع.
وقف أصحاب السيارات المارة تنظر إلى الحادث المفجع وبداخلهم حزن ومنظر مفجع لن يغيب عن أذهانهم بسبب سيارات تحولت إلى خردة وأجزاء من الحديد، أبلغوا سيارات الإسعاف وحضر أسطول من السيارات مسرعا إلى مكان الحادث وتم نقل المتوفيين إلى المشرحة لحين تسليمهم إلى ذويهم وإنهاء الإجراءات.
الحادث انتشر ووقع كالصاعقة في قلوب المواطنين وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي لسرداق عزاء ملئ بالحزن والقهر، جراء الحادث الأليم الذى حطم وقضى على أحلام وطموحات 8 طلاب قبل أن تبدأ، وكان أكبرهم يبلغ 15 عاما.
ولم يمر الوقت حتى تلقى أهالي مركز ملوي، نبأ وفاة 8 طلاب من أبنائهم في الحادث، ورفع مؤذنو المساجد المكبرات الصوتية، لنقل الخبر المفجع، ليرتفع الصراخ والعويل، وهرع أهالي الضحايا مسرعين إلى المستشفى بدموع تملأ عيونهم ووجع سكن قلوبهم، وتجمع الأهالي والأسر أمام باب المستشفى، وهم لا يدرون شيئًا عن مستقبلهم ومستقبل أولادهم.
محافظ المنيا، اللواء عماد كدواني، والقيادات الأمنية، توجهوا إلى مكان الحادث، وتبين أن السيارتين عبارة عن صفيح والدماء تسيل على الأرض، وقف المحافظ يستعجب من ذلك الأمر الذي حذر منه مرارا وتكرارا من خطورة سيارات البيك أب، مشيرا إلى أن السائق المتسبب في الحادث وجه له رسالة كتبها بدمع العين يكسوها محتواها الندم أخبره فيها بأن نجله من ضمن المتوفيين وطلب منه مسامحته بسبب عدم تنفيذ القرارات ورفض كدواني بسبب الأرواح الطاهرة التي سالت دمائها بسببه.
وتوجه المحافظ إلى المستشفى للاطمئنان على المصابين واستمع للطبيب المعالج، ووجه بضرورة عمل اللازم لهم وتقديم كافة سبل الراحة والرعاية الطبية لهم حتى يتماثلوا للشفاء، وتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا، وعقب إصدار التصريحات الخاصة بالدفن، سلمت المستشفى جثامين الضحايا واحدًا تلو الآخر في كفنه أمام أسرته، وتوجهت السيارات التي تحمل 8 جثامين إلى مسقط رأسهم لتشييعهم إلى مثواهم الأخير.
وحضر إلى صلاة الجنازة، المئات، منهم من يبكي ويصرخ، ومنهم الصامت، والباقي مذهول بما حدث، انتهى المصلون من أداء صلاة الجنازة على الضحايا، وتم دفنهم بالمقابر، واتشحت جدران القرى بالسواد.
حظر سيارات البيك أب
وكانت فكرة حظر سيارات البيك أب حلمًا يراود الأجهزة المختصة، بعدما تحوّلت هذه السيارات من وسيلة نقل إلى مقصلة متحركة تهدد الأرواح البريئة، ففي شهر أغسطس من العام الماضي، فُتح باب الأمل بتبديلها وإحلالها بسيارات ميكروباص، لعل الحياة تسير بأمان، بعيدًا عن رعب تلك السيارات المفتوحة التي لا ترحم ركابها عند أول اصطدام وتصعد أرواحهم إلى بارئها.
ومع حادث التصادم المأساوي الذي وقع في 8 فبراير الماضي، حينما فقدت قرية طوه 9 من أبنائها في لحظة خاطفة، انكسر الصمت، وأصدر اللواء عماد الكدواني، قرارًا لا رجعة فيه حاسما: تفعيل قانون المرور رقم 66 لسنة 1973، ليُحظر استخدام سيارات البيك أب في نقل البشر، مع وعد بالإسراع في إنهاء منظومة الإحلال، علّ دماء الضحايا تكون آخر الدماء المهدورة على طرقات المنيا.
ولم ينتظر كدواني كثيرًا، ففي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وقف بنفسه على الطرقات الرئيسية والمحاور، يقف بين الناس، يحدثهم بعين الأب الذي يخشى على أولاده، يشرح خطورة تلك السيارات، كيف تحولت إلى نعوش مكشوفة تسير فوق الأسفلت، ويوضح أن البيك أب، وإن كانت آلة نقل، فهي ليست وسيلة آدمية لحفظ الأرواح.

إحلال وتجديد سيارات البيك أب
فتح المحافظ باب التبديل، ووفر كل الفرص الممكنة لإنقاذ ما تبقى من الأرواح، وأصدر في 5 أبريل الجاري قرارًا حاسمًا بحجز السيارات المخالفة وتغريم أصحابها 5 آلاف جنيه، على الردع يحمي من لم تحمهم قوانين الرحمة في قلوب السائقين.
ورغم كل ذلك، لم تسلم خطوات الإصلاح من العرقلة، فقد اعترض بعض النواب، ووقف بعض السائقين في طريق القرار، لكن محافظة المنيا لم تتراجع، وأصدرت بيانًا رسميًا يوم 11 أبريل، كشف فيه الستار عن الكارثة التي خلفتها سيارات البيك أب خلال عام واحد: 332 حالة وفاة، وقرابة 717 إصابة، و342 حادثًا، و336 سيارة أُتلفت في طرقات تحولت إلى ساحات موت.
جاء البيان صرخة موجعة، وعدت فيها المحافظة أبناءها: لن نسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء، ولن نخذل أرواحكم الطاهرة التي صعدت إلى بارئها، سنمضي قدمًا لتحقيق مطالبكم، وحرصًا على سلامتكم وكرامتكم التي لن نفرط فيها.