صدمة للصناعات الإسرائيلية.. انفصال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن شركة إلبيت الإسرائيلية

صدمة للصناعات الإسرائيلية.. انفصال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن شركة إلبيت الإسرائيلية

قرار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT بقطع علاقاته مع شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية يمثل منعطفًا لافتًا في مسار العلاقة بين المؤسسات الأكاديمية الأمريكية والصناعات العسكرية الإسرائيلية.

للوهلة الأولى يبدو القرار نتيجة لضغوط أكاديمية وطلابية، إلا أن أبعاده تتجاوز هذا الإطار، لتكشف عن تغيرات حيوية في المزاج الأكاديمي، وشبه تحول في المعايير الأخلاقية للجامعات الأمريكية الكبرى.

تكنولوجيا دفاعية

إلبيت سيستمز هي إحدى الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا الدفاعية في إسرائيل، والتي بدأت رحلتها في عام 1966، ونشأت الشركة ضمن مجموعة إلرون، لكنها سرعان ما نمت وتوسعت لتصبح لاعبًا رئيسيًا في قطاع الدفاع على مستوى العالم، مقرها الرئيسي يقع في مدينة حيفا، ولها فروع في أكثر من 50 دولة، مما يعكس حجم تأثيرها العالمي.

تتخصص الشركة في تصميم وتصنيع الأنظمة التكنولوجية المتقدمة التي تشمل الطائرات المسيّرة، أنظمة الحرب الإلكترونية، وأجهزة القيادة والسيطرة، ومن أبرز إنجازاتها تطوير منظومات دفاعية مثل القبة الحديدية التي تصدت لصواريخ قادمة، إلى جانب أنظمة دفاع جوي مثل السهم 3، وكلها أظهرت نجاحًا كبيرًا في مساعدة الجيش الإسرائيلي في تأمين حدوده.

أخلاقي أم سياسي؟

ظاهريًا، يأتي القرار كنتيجة مباشرة لحملة قادها تحالف MIT من أجل فلسطين، استمرت لستة أشهر، تخللها تعطيل فاعليات دولية للبرنامج الصناعي للمعهد ILP في مدن عالمية كبرى مثل بوسطن وبانكوك وسيول وطوكيو.

لكن قراءة أعمق تكشف أن حملة الطلاب كانت تعبيرًا صاخبًا عن حالة احتقان كامنة في الأوساط الأكاديمية، ترتبط باستياء متزايد من تورط الجامعات في علاقات مع شركات متهمة بانتهاك حقوق الإنسان، خاصة في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة.

شركة إلبيت سيستمز ليست مجرد شركة تصنيع أسلحة، لكنها واجهة تكنولوجية للجيش الإسرائيلي، وأكبر شركة سلاح خاصة في إسرائيل.

الشركة متورطة في توريد طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة ومعدات عسكرية استخدمت، حسب تقارير أممية ومنظمات حقوقية، في العمليات العسكرية التي طالت المدنيين في غزة والضفة الغربية.

وبالتالي، فإن علاقتها مع MIT لم تكن شراكة بحثية محايدة، بل تحوّلت إلى عبء أخلاقي على مؤسسة أكاديمية تصف نفسها بأنها في طليعة الابتكار والتقدم.

ما وراء الانفصال؟

التحرك ضد إلبيت يندرج ضمن تيار أوسع من الرفض الشعبي والأكاديمي للتواطؤ مع المؤسسات المرتبطة بالاحتلال، خلال الـ18 شهرًا الماضية، وتصاعدت الأصوات المناهضة للتعاون الجامعي مع الشركات المرتبطة بإسرائيل.

وتعدد الحملات التي يقودها الطلاب والهيئات التدريسية في كبرى الجامعات مثل كولومبيا وهارفارد وستانفورد، وتطالب بإعادة تقييم سياسات الاستثمار والتعاون البحثي.

لذا، فقرار MIT بإنهاء العلاقة مع إلبيت يكشف عن أن هذه التحركات لم تعد رمزية، بل باتت قادرة على فرض وقائع ميدانية جديدة، وتغيير سياسات جامعات تعد من الأكثر تأثيرًا عالميًا.

القرار يمثل أيضًا رسالة تحدٍ للضغط السياسي والإعلامي الموالي لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وتقليديًا، كانت الجامعات الأمريكية تتفادى اتخاذ مواقف من شأنها إثارة حساسية اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، خاصة في ملفات ترتبط بالشركات الدفاعية.

لكن هذا القرار يبرهن على أن نفوذ هذه الدوائر، رغم قوته، بدأ يواجه تآكلًا في بعض البيئات الليبرالية والمستنيرة، خصوصًا حين يتقاطع ملف دعم إسرائيل مع قضايا حقوق الإنسان والمجازر الموثقة، حتى مع المحاذير التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الجامعات إلى أين؟

قرار MIT ربما يفتح الباب أمام قرارات مشابهة في مؤسسات أخرى، خصوصًا رغم خفوت صوت الحملات الطلابية المطالبة بفك الارتباط مع شركات أو مؤسسات مرتبطة بالجيش الإسرائيلي أو تدعمه تكنولوجيًا.

وأمام تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة، ستكون إدارات الجامعات الأمريكية أمام اختبار صعب بين الحفاظ على تدفقات التمويل الصناعي، والالتزام بمواثيق أخلاقية أصبحت أكثر حضورًا في الخطاب الجامعي.

لا يمثل انفصال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن شركة إلبيت سيستمز مجرد إنهاء لعلاقة تعاقدية، بل هو خطوة رمزية لكنها مدروسة، تعكس ميلًا جديدًا داخل بعض المؤسسات الأكاديمية الأمريكية الكبرى نحو إعادة تعريف علاقتها بالقوة، بالاحتلال، وبالمعايير الأخلاقية.

ومع استمرار نزيف غزة، قد لا يكون MIT الأخير الذي يقطع علاقاته، بل ربما يكون مجرد البداية، علما بنجاح إلبيت سيستمز في السوق العسكرية، وتمتلك إلبيت القدرة على تحويل تكنولوجيا الحرب إلى تطبيقات تجارية، وهو ما جعلها من الشركات المفضلة لعدد من الحكومات والمنظمات الأمنية على مستوى العالم.

كان لدى إلبيت سيستمز رؤية استراتيجية في التوسع، فتمكنت من الاستحواذ على شركات بارزة مثل إليزرا المتخصصة في الحرب الإلكترونية وإم.آي.آي التي تعمل في مجال الأسلحة والذخائر، هذه الاستحواذات كانت جزءًا من جهودها المستمرة لتعزيز قدراتها التكنولوجية وتعميق خبرتها في مختلف المجالات.

اليوم، تعتبر إلبيت سيستمز واحدة من أكبر الشركات الدفاعية في العالم، حيث تستفيد من حجم أرباح متزايد بفضل الطلب المستمر على تقنياتها المتقدمة، وفي عام 2024، أعلنت الشركة عن أرباح تشغيلية ضخمة، مما يعكس نجاح استراتيجياتها في التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية.