إيهود باراك يصدم نتنياهو: ترامب سيتخلى عنك وصفقة مع الفلسطينيين أفضل من الحرب

في تصريحات لافتة، فتح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، النار على سياسات رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، داعيًا إلى عصيان مدني لإسقاطه، مشككًا في أهليته لقيادة إسرائيل وسط أزمة متفاقمة على جبهتي غزة وإيران.
لكن أخطر ما ورد في كلام إيهود باراك كان في مضمون رسالته الاستراتيجية: دعوة إلى إنهاء الحرب مقابل صفقة مع الفلسطينيين، ولو بثمن التراجع العسكري والسياسي، ويرى باراك، من موقعه كجنرال سابق في الجيش، أن وقف الحرب لا قيمة له من وجهة النظر الإسرائيلية، لأن تل أبيب تعرف كيف تبدأ الحروب عندما تريد ولا تحتاج إذنًا من أحد، على حد تعبيره.
هذا التصريح يكشف ذهنية التحكم الاستراتيجي التي تؤمن بها النخبة الأمنية الإسرائيلية، وتعتبر أن الحرب وسيلة ضغط يمكن تشغيلها أو إطفاؤها حسب المصالح، لكن خطورة هذا الطرح تكمن في تبرير الاستخدام المتكرر للعنف كأداة سياسية، دون اعتبار للتكلفة البشرية أو القانونية.
كما أنه يمثل، في جوهره، انقلابًا على منطق المبادرة الدولية التي تسعى إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويضعف مصداقية إسرائيل أمام شركائها الغربيين الذين يضغطون لتهدئة طويلة الأمد.
حماس قادرة على القتال
في جملة استثنائية تعترف بواقع غير مريح للنخب السياسية في تل أبيب، قال باراك إن حماس تستطيع أن تخوض قتالًا ضد الجيش لخمسين عامًا، لكنها لا تقاتل جيشًا مصريًا أو عربيًا، ما يُقرأ كإشارة واضحة إلى أن المواجهة العسكرية الإسرائيلية الحالية بلا أفق حقيقي، ما لم تُرفق بحلول سياسية أو تسويات إقليمية.
لكن الأهم، هو أن باراك يلمح بوضوح إلى فكرة تسليم إدارة غزة لقوات عربية، وهي رؤية جرى تداولها سابقًا في بعض الدوائر الغربية والعربية، دون توافق إقليمي شامل، وهو بذلك يدفع نحو صيغة التدويل العربي لغزة بعد الحرب، على حساب الحل الفلسطيني الداخلي أو المصالحة الوطنية.
عدم الأهلية ومطالبات بالعزل
تدعو تصريحات باراك صراحة إلى عصيان مدني غير عنيف ضد حكومة نتنياهو، وهو أمر يتجاوز حدود الانتقاد السياسي المعتاد ليقترب من مشهد إسقاط حكومي شعبي، ووصفه لنتنياهو بأنه غير أهل للقيادة يتماشى مع تصاعد أصوات المعارضة، لا سيما بعد فضائح الفساد وعجز الحكومة عن إدارة أزمة غزة بطريقة تحقق الأهداف المعلنة.
هذا الحراك الداخلي – إذا تطور إلى حالة ضغط مستمر- قد يُمهّد لتحولات سياسية مفاجئة داخل إسرائيل، سواء عبر انتخابات مبكرة، أو إعادة توزيع مراكز القوى في المشهد الحزبي والائتلافي.
ألمح باراك إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليس في صف نتنياهو في ما يخص غزة أو إيران، ووفقًا لباراك، فإن هذا الموقف سيتضح خلال أسابيع، هذه التصريحات، إن صحّت، تمثل ضربة قوية لمحور نتنياهو- اليمين الأمريكي، وتكشف عن تصدعات قد تعيد رسم خريطة التحالفات بين واشنطن وتل أبيب في المرحلة المقبلة.
ويبدو أن باراك يعوّل على إعادة التموضع الأمريكي – الجمهوري تحديدًا- بشأن ملف غزة، بعدما باتت الصور الواردة من القطاع عبئًا انتخابيًا وأخلاقيًا على الساحة الأمريكية، كما قد تعني تلميحًا إلى أن ترامب يسعى إلى تجنب التصادم مع الدول العربية الكبرى، وبالتالي لا يدعم أجندة نتنياهو التوسعية أو خطته لإبقاء الوضع في غزة دون حل.
تصريحات باراك ليست فقط انتقادًا لحكومة فاشلة، بل تُعبّر عن تحول جذري في نغمة الخطاب داخل معسكر النخبة الإسرائيلية، فالدعوة إلى صفقة سياسية مع الفلسطينيين، والاعتراف بحدود القوة العسكرية في غزة، والانفتاح على دور عربي في القطاع، كلّها عناصر تنذر بأن مرحلة ما بعد الحرب لن تُشبه ما قبلها.
وفي حال تبلورت هذه المواقف إلى تيار سياسي ضاغط، فإن إسرائيل قد تواجه استحقاقًا مزدوجًا: تغيير القيادة من الداخل، وإعادة صياغة استراتيجيتها تجاه غزة والمنطقة برمّتها.