علي جمعة: لا يجوز التعبد بالقرآن إلا باللغة العربية.. وترجمة المعاني لا تُغني عن الأصل

علي جمعة: لا يجوز التعبد بالقرآن إلا باللغة العربية.. وترجمة المعاني لا تُغني عن الأصل

شدد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر السابق، على أن التعبد بتلاوة القرآن الكريم لا يصح إلا باللغة العربية، مؤكدًا أن ما يتم ترجمته إلى لغات أخرى يُعد ترجمة لمعاني القرآن، وليس القرآن ذاته، ولا يترتب على تلاوته الأجر أو الأحكام الشرعية المرتبطة بتلاوة القرآن باللغة التي نزل بها.

علي جمعة: لا يجوز التعبد بالقرآن إلا باللغة العربية.. وترجمة المعاني لا تُغني عن الأصل

وقال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر السابق، خلال تصريحات تليفزيونية، اليوم الثلاثاء: لا يجوز التعبد بغير اللغة العربية، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، الطفل المسلم في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا يحفظ القرآن بالعربية حتى وإن لم يفهم معناه، لأنه لا يصح التعبد إلا بالنص العربي.

وأشار إلى أن القرآن الكريم تُرجمت معانيه إلى أكثر من 132 لغة حول العالم، وقد تُرجم إلى الإنجليزية فقط ما يقرب من 300 مرة، وإلى الفرنسية حوالي 40 مرة، وإلى لغات أخرى كاليابانية التي لها ثلاث أو أربع ترجمات؛ ومع ذلك، لم يُعرف أن أحدًا حفظ القرآن بأي لغة غير العربية، رغم تعدد الترجمات، مما يُعد أحد أوجه إعجاز القرآن الكريم.

وأوضح أن الإحصاءات المتعلقة بترجمات معاني القرآن، أجراها مركز الحضارة والتاريخ التابع لمنظمة الإيسيسكو ومنظمة التعاون الإسلامي في جدة، حيث رصدت ترجمات إلى 64 لغة فقط، رغم أن عدد اللغات التي تُرجمت إليها المعاني يتجاوز ذلك بكثير، لكن بعضها لا يوجد منه سوى نسخة أو اثنتين، مما يعكس تفاوت الانتشار.

وأضاف: الذي يقرأ القرآن بلغته الأصلية يتعبد، أما من يقرأ الترجمة، فذلك لفهم المعنى فقط، وليس للتعبد، لذلك لا نجد أحدًا يحفظ القرآن باللاتينية أو بالإنجليزية، بل يحفظه الجميع بالعربية، وهذا من خصائص القرآن التي لا نجدها في أي نص ديني آخر.

وأكد أن اللغة العربية ليست مجرد وعاء شكلي للقرآن، بل جزء من ذاته وجوهره، فلا يمكن فصله عنها، ولا يمكن التعبد به إلا بها، قائلًا: من أراد أن يفهم المعنى فليقرأ الترجمة، أما من أراد أن يقرأ القرآن كما أنزل ويتعبد به، فليقرأه بالعربية.

هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب

فيما أكد الدكتور علي جمعة، أن اللغة العربية ليست فرضًا شرعيًا على المسلمين غير الناطقين بها، وأن الإسلام والعروبة لا يتطابقان، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن العربية هي لغة القرآن والسنة، ولا يمكن التعبد بهما إلا من خلالها.

وقال: عندنا أمران: الأول الحكم الشرعي، والثاني الواقع التاريخي، أما الحكم الشرعي فيؤكد أن العربية ليست فرضًا على كل مسلم، لأن ذلك قد يُعيق انتشار الإسلام، خاصة أن قدرات الناس على تعلم اللغات تختلف من شخص لآخر.

واستشهد بأمثلة واقعية من حياته، حيث التقى بأشخاص قضوا عقودًا طويلة في دول أجنبية ولم يتمكنوا من التحدث بلغتها، مؤكدًا أن فرض تعلم العربية على الجميع لا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، لأن التكليف بما لا يُطاق مرفوض شرعًا.

وأضاف أن شيخ الإسلام أبو السعود، مفتي الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول، أفتى بعدم جواز فرض العربية على الشعوب، لأن ذلك يخالف قواعد الشريعة، مشيرًا إلى أن هذه الرؤية تُذكّر بموقف الإمام مالك حين رفض أن يُفرض كتابه الموطأ على المسلمين، احترامًا لتنوع الاجتهادات.

وأشار إلى أن عبد الملك بن مروان كان أول من نشر العربية في مصر من خلال حيلة إدارية، إذ قرر ألا يُوظف في الدولة إلا من يتحدث بالعربية، فتعلمها الناس بدافع الحاجة، إلا أن المقريزي، في كتابه الخطط، ذكر أن قرى في صعيد مصر كانت لا تزال تتحدث بالقبطية حتى القرن التاسع الهجري.

وأكد أن الواقع التاريخي يُظهر أن المسلمين لم يُجبروا غير العرب على تغيير لغاتهم، بل إن شعوبًا مسلمة لا تزال تحتفظ بلغاتها الأصلية، كأهل النوبة في مصر، ولم يُمنعوا من ممارسة شعائرهم الإسلامية بلغاتهم المحلية.

وشدد على أن اللغة العربية تبقى ضرورة شرعية لفهم النصوص الشرعية على حقيقتها، وللاستنباط والاجتهاد والتعبد الصحيح، مؤكدًا أن لا أحد يحفظ القرآن أو يتعبد به إلا بالعربية، وهذا من معجزاته.

وتابع: يجب علينا أن نفرّق بين الحكم الشرعي، الذي لا يفرض تعلم العربية، وبين الواقع الذي يُثبت أهميتها البالغة لفهم الدين، وضرورتها لتماسك الأمة الإسلامية وتعزيز وحدتها الحضارية.