الهند وباكستان على شفير التصعيد..هل تُشعل جنوب آسيا فتيلًا نوويًا يهز الشرق الأوسط؟

الهند وباكستان على شفير التصعيد..هل تُشعل جنوب آسيا فتيلًا نوويًا يهز الشرق الأوسط؟

بداية في ظل اشتداد التوترات بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، تعود إلى السطح مخاوف اندلاع صراع مسلح قد لا يظل محدودًا في جغرافيا كشمير المتنازع عليها، بل يتمدد إلى مشهد جيواستراتيجي أوسع، يمتد تأثيره إلى مصر والشرق الأوسط، وربما يعيد رسم معالم ميزان القوى الدولي.

أولا: جذور الصراع التاريخية وتراكماته الجيوسياسية:-
يعود أصل النزاع إلى ما بعد استقلال الهند عن التاج البريطاني عام 1947، حينما تم تقسيم شبه القارة على أسس دينية، فكانت كشمير – ذات الأغلبية المسلمة – بؤرة التفجير المؤجلة. خاض البلدان ثلاث حروب كبرى (1947، 1965، 1971) إضافة إلى صراع كارجيل عام 1999، ولم تنجح أي من جولات الحوار في اقتلاع بذور الكراهية أو نزع فتيل الانفجار.
اليوم، ومع تصاعد القومية الهندوسية في الهند بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، يقابلها تشدد أمني وعقائدي في باكستان، أصبحت الحدود بين الدولتين أشبه بحافة الهاوية، تنتظر شرارة واحدة فقط.
ثانيا: الدوافع المباشرة لتصعيد محتمل:-
١- كشمير مجددا… القلب النابض للصراع: إلغاء الهند للوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير عام 2019 فجّر موجة من الغضب في باكستان، التي تعتبر القرار انتهاكًا مباشرًا للشرعية الدولية.
٢- الردع النووي الهش: على الرغم من امتلاك الدولتين ترسانة نووية معتبرة، إلا أن غياب آليات فعالة لإدارة الأزمات النووية يجعل احتمالية الانزلاق إلى استخدام محدود للسلاح النووي التكتيكي أمرًا غير مستبعد.
٣- التحالفات الدولية المتشابكة: العلاقات الوثيقة بين الهند والولايات المتحدة من جهة، وبين باكستان والصين من جهة أخرى، تجعل الصراع المحتمل ساحة تجاذب بين القوى الكبرى.
٤- العامل الاقتصادي والسياسي الداخلي: كلا النظامين السياسيين يواجهان ضغوطًا داخلية خانقة، من تراجع اقتصادي إلى احتجاجات شعبية، وقد يُستخدم التصعيد الخارجي كأداة للهروب إلى الأمام وتحويل الأنظار عن الأزمات المحلية.
ثالثا: الأهداف الكامنة خلف أي مواجهة مرتقبة:-
الهند: تسعى لتكريس هيمنتها الإقليمية، وفرض وقائع جديدة في كشمير، وإضعاف باكستان استراتيجيًا قبل أن تستكمل الأخيرة تطوير أنظمتها الصاروخية متعددة الرؤوس.
باكستان: تريد إعادة تسليط الضوء الدولي على ملف كشمير، وإعادة توازن الردع بعد سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية والاقتصادية للهند.
رابعا: السيناريوهات المتوقعة والنتائج المحتملة:-
سيناريو الحرب المحدودة: يتمثل في تبادل ضربات عبر خط السيطرة في كشمير، مع احتمال امتدادها إلى منشآت عسكرية واقتصادية، وتظل ضمن “الخطوط الحمراء” لتجنب النووي.
سيناريو الانزلاق النووي التكتيكي: إذا لجأت باكستان إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي لوقف توغل هندي بري واسع، فإن الهند قد ترد بضربة انتقامية تقليدية أو نووية، ما يعني كارثة شاملة.
سيناريو الضغوط الدولية والتهدئة: يتدخل المجتمع الدولي (خصوصًا واشنطن وبكين) لفرض وقف إطلاق نار سريع، مع وعود بتسوية دبلوماسية لاحقة.
خامسا: تأثير الحرب على مصر والشرق الأوسط:-
اقتصاديًا: أي صراع نووي أو تقليدي واسع سيؤثر على أسعار النفط العالمية وعلى الاستقرار في أسواق الطاقة، مما يضغط على موازنات دول مثل مصر المستوردة للطاقة.
أمنيا: قد يؤدي إلى توترات طائفية في بعض دول المنطقة، خاصة مع تعاطف بعض الحركات الدينية أو السياسية مع أحد الطرفين.
دبلوماسيا: ستجد مصر نفسها مطالبة بتحديد موقف متوازن، خصوصا أنها ترتبط بعلاقات قوية مع الهند من جهة، وتحترم مشاعر الشعوب الإسلامية المؤيدة لباكستان من جهة أخرى.
إقليميا: أي زعزعة في التوازن الآسيوي قد تؤدي إلى تحركات غير محسوبة من إيران، الصين، وحتى إسرائيل، مما يُربك البيئة الأمنية المحيطة بالشرق الأوسط.
ختاما إن اندلاع حرب بين الهند وباكستان ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو احتمال زلزالي يعصف بأركان النظام الدولي، ويعيد تعريف مفاهيم الردع والاستقرار. أما على المستوى العربي، فإن الحياد لم يعد خيارًا، بل يجب الاستعداد لحماية المصالح، ومراقبة الاصطفافات، وتحويل التهديد إلى فرصة للمناورة الاستراتيجية في عالم يعاد تشكيله بلهيب النزاعات.