مصطفى مراد يكتب.. من رواق الصعايدة بالأزهر خرج هذا العالِم "جدي محمد خلف الله"

من وسط الجنوب على بعد 500 كيلو متر من القاهرة عاش المصريون في حقبة أبناء محمد على في عهد (الخديو عباس حلمي الثاني) حياة بدائية لا يعرفون خلالها سوى الزراعة وأكل الخبز والجبن، ونادرا ما كان يلتحق أحدهم بالتعليم.
فالقاهرة كانت وحدها من تستأثر بالتعليم، وسيطر عليها أبناء الطبقات الغنية، فكانت نظرة الجنوب للقاهرة كنظرة المصريين حاليا لدول أوروبا وأمريكا في المسافة والتقدم وإن كانت قد تلاشت المسافات في الوقت الحالي وأصبح العالم قرية واحدة.
ساعدني ابن قريتي الدكتور الحسيني حسن حماد، الأستاذ بكلية اللغة العربية قسم التاريخ والحضارة جامعة الأزهر بأسيوط، لاكتشاف تاريخ عائلتي من واقع سجلات الأزهر التاريخية، لأترجم ما يناديني به أهل قريتي، يا ابن بيت العلم ويامنبت العلماء.
ولد جدي محمد خلف الله عام 188، والتحق بالأزهر الشريف وعمره 12 عاما كان وقتها قد تعلم النحو والصرف والبلاغة والحديث والتفسير وحفظ نصف القرآن الكريم، وهي شروط الالتحاق بالأزهر الشريف وقتها.
القبول في الأزهر الشريف
كان طلاب الصعيد يلتحقون بالأزهر الشريف لاستكمال تعليمهم فيه، حيث كان من شروط الالتحاق بالأزهر أن يكون الطالب قد نال قسطا من التعليم في النحو والصرف والبلاغة والحديث والتفسير، وأن يكون عالما بالقراءة والكتابة وحافظًا لنصف القرآن على الأقل إن كان بصيرا، وكاملا إن كان كفيفا.
ويُعقد الامتحان للطالب لبيان مدى استحقاقه للالتحاق بالأزهر أم لا، فإذا نجح الطالب التحق بالأزهر وأصبح مقيما فيه، بمكان خاص بالطلبة الصعايدة، يسمى “رواق الصعايدة” له شيخُ وإداريون وكتبة، وخدمة، وكان الطالب يتعلم ويأكل ويشرب، ويتقاضى راتبًا من الأوقاف وكان إذا اجتاز قسطا معقولا من العلوم يجوز له التقدم للامتحان في شهادة الأهلية التي كان يشترط في الحصول عليها، أن يكون قد نال قسطا كبيرا من العلوم الشرعية والعربية، وأن يكون له مالا يقل عن 12 عاما ملتحقا بالأزهر وإذا نجح في الامتحان جاز له التدريس في المدارس والمساجد خارج الأزهر والإمامة والوعظ.
شهادة العالمية
وكانت أعلى شهادة يحصل عليها الطالب هي شهادة العالمية (الدكتوراه)، ويشترط في الحصول عليها تلقي جميع العلوم الشرعية والعربية وأن يكون له مالا يقل عن 15 عاما ملتحقا بالأزهر وتعقد له لجنة من كبار العلماء لامتحانه، فإذا نجح الطالب جاز له التدريس في الأزهر، وهي أعلى مرتبة.
وكان امتحان العالمية صعب جدا ويرسب فيه عدد كبير وكانت الشهادتين الأهلية والعالمية، من حيث النجاح تنقسم إلى ناجح من الدرجة الأولي (ممتاز) أو ناجح من الدرجة الثانية (جيد جدا) أو ناجح من الدرجة الثالثة(جيد).
وكان من طلبة الأزهر الشريف أجدادي الشيخ محمد خلف الله شيمي والشيخ سلام خلف الله شيمي، وهما شقيقان من بلدة الشوكا بمدينة طما بمديرية جرجا (سوهاج حاليا) حيث التحق كل منهما بالأزهر وسكنا في رواق الصعايدة، وكان لهما جراية من طعام ومرتب من المالية وأوقاف الرواق.
عهد الخديوي عباس حلمي الثاني
والتحق الشيخ محمد بن خلف الله بن شيمي بالأزهر في 18 صفر 1310هـ و1892م وتوفي عام 1952م، وقد امتحن في شهادة الأهلية في شهر رجب 1329 هـ (1911م) ونال الدرجة الأولى (امتياز) ثم امتحن في شهادة العالمية في 1340هـ (1921) م ونجح فيها وكان ترتيبه 21 مكرر من إجمالي الناجحين والبالغ عددهم 52 ناجح وكان مذهبة حنفي.
وقد التحق شقيق جدي الشيخ سلام بالأزهر في 13 جماد الآخر 1317هـ (1899م)، أي أيهما التحقا بالأزهر في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.
تنامت العائلة لـ 6 أبناء لجدي العالم محمد خلف الله وهم اجدادي واعمام والدي: الأول جدي لوالدي، السيد ثم عبد العال وعبد الحكيم وعبد اللطيف وعبد السلام وأحمد وأخيرا جدتي بخيتة.
سار والدي الشيخ مراد على نهج جدي وأصبح خطيبا مفوها منذ صغره حتى الآن في مسقط رأسه بالصعيد، فيما بحث أعمامي عن أحلامهم في القاهرة ومحافظات الوجه البحري، ليصبح الآن منهم المصرفيون البارزون والمعلمون وضباط الشرطة والمهندسون وأساتذة الجامعات المرموقون والعلماء الأزهريون والمربون حتى وصلت لشخصي المتواضع لأكون كاتبا صحفيا أعيد سرد تاريخ عائلتي الممتد من صعيد مصر ثم القاهرة ومنها إلى مختلف دول العالم ينشرون علمهم وتقاليد عائلتي وآدابها وأصولها.