إبراهيم الدراوي: من سيفك الحصار عن غزة.. الاتحاد الأوروبي أم النواب الأمريكيون؟

إبراهيم الدراوي: من سيفك الحصار عن غزة.. الاتحاد الأوروبي أم النواب الأمريكيون؟

وسط تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، يظهر ضغط سياسي متزايد على إسرائيل لرفع الحصار عن المساعدات الإنسانية واستئناف تدفقها بشكل عاجل.

رسالة وقّعها 85 نائبًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأمريكي، موجهة إلى السفير الإسرائيلي، تسلط الضوء على هذا التحرك.

وصفت الرسالة سياسة قطع المساعدات بـ«الخاطئة أخلاقيًا»، و«الفاشلة استراتيجيًا»، في الوقت ذاته، يظل الاتحاد الأوروبي لاعبًا مؤثرًا.

ويدعم الاتحاد جهود الوساطة ويطالب بوقف إطلاق النار، لكن من سيكون له الدور الحاسم في تغيير الوضع الراهن؟

ضغط داخلي بقوة رمزية

تُعد رسالة النواب الديمقراطيين خطوة غير مسبوقة من حيث الحجم والحدة، حيث ينتقد 85 نائبًا، بقيادة سالود كارباخال وآمي بيرا، سياسة إسرائيل بقطع المساعدات منذ مارس 2025.

يصف النواب الممارسات الإسرائيلية في هذا الشأن بـ«العقاب الجماعي»، الذي يُفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين. 

الرسالة كشفت ثلاثة أبعاد رئيسية تتعلق بتداعيات الحصار، أخلاقيا، أشارت إلى تعارض الحصار مع القيم الديمقراطية التي تدّعي كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الالتزام بها.

وفيما اعتبرت أن هذا التعارض يُعد «وصمة عار» تلطخ سمعة إسرائيل، فقد أوضحت من زاوية استراتيجية أن استمرار قطع المساعدات يُعيق جهود تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

وبين أن هذه الخطوة تغذي موجات التطرف، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل على المدى البعيد.

وفي البعد الإنساني، فإن الرسالة تحذر من أن الحصار يُفاقم معاناة الرهائن، ويزيد من خطر تفشي الأوبئة، ويُكرّس حالة اليأس بين المدنيين.

ومع ذلك، فإن تأثير هذه الرسالة قد يبقى محدودًا. فالنواب الديمقراطيون، رغم عددهم، لا يملكون سلطة مباشرة لتغيير السياسة الإسرائيلية، خاصة في ظل دعم الكونجرس التقليدي لإسرائيل. 

كما أن الرسالة لم تُوقّع من قبل أعضاء جمهوريين، مما يُضعف إجماعها السياسي، ومع اقتراب انتخابات الكونجرس في 2026.

لذا، قد تكون خطوة انتخابية لكسب تأييد الناخبين التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، لكنها تُشير إلى تحول تدريجي قد يُترجم لضغوط دبلوماسية أقوى إذا تبنّت الإدارة الأمريكية موقفًا مماثلًا.

وساطة ودبلوماسية الأوروبيين

على الجانب الآخر، يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجًا أكثر دبلوماسية، مع التركيز على الوساطة ودعم المبادرات الإنسانية.

الاتحاد، بقيادة دول مثل فرنسا وإسبانيا، دعا مرارًا إلى وقف إطلاق النار واستئناف المساعدات، مع تخصيص مبالغ مالية كبيرة لدعم وكالات الأمم المتحدة العاملة في غزة. 

كما أن الاتحاد الأوروبي يمتلك نفوذًا عبر علاقاته مع مصر وقطر، اللتين تلعبان دورًا محوريًا في مفاوضات الرهائن ووقف إطلاق النار.

ومع ذلك، يواجه الاتحاد تحديات داخلية، حيث تختلف مواقف الدول الأعضاء، فبينما تدعم دول مثل أيرلندا وسويسرا موقفًا صلبًا ضد الحصار، تظل دول مثل ألمانيا والنمسا أكثر حذرًا.

يرجع ذلك لعلاقاتها التاريخية مع إسرائيل، وهذا الانقسام قد يُضعف قدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات موحدة ضد إسرائيل، حسث لم يحظَ خيار العقوبات بإجماع أوروبي.

التدخل أمريكي أم أوروبي؟

الولايات المتحدة تمتلك تأثيرًا أكبر على إسرائيل بفضل الدعم العسكري والاقتصادي الضخم الذي تقدمه.

لكن النواب الديمقراطيون يفتقرون إلى السلطة التنفيذية لفرض تغييرات فورية، بينما يمكن للإدارة الأمريكية، إذا تبنت موقفًا مماثلًا، أن تمارس ضغطًا مباشرًا.

الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة في دعم المبادرات الإنسانية، لكنه يعاني من البطء في اتخاذ القرارات بسبب الحاجة إلى الإجماع بين 27 دولة.

ومع ذلك فرسالة النواب الأمريكيين لها وزن رمزي، كونها تُسلط الضوء على تدهور سمعة إسرائيل، لكن الاتحاد الأوروبي يمتلك ميزة التواصل مع الدول العربية، مما يجعله وسيطًا أكثر فعالية.

سيناريوهات مستقبلية متوقعة

إذا تبنت الإدارة الأمريكية موقف النواب الديمقراطيين، قد تُشروط المساعدات العسكرية لإسرائيل باستئناف تدفق المساعدات إلى غزة، هذا السيناريو مرجح إذا تصاعد الضغط الشعبي داخل الولايات المتحدة.

قد ينجح الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع مصر وقطر، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات المساعدات. هذا يعتمد على قدرة الاتحاد على توحيد موقفه.

في حال فشل الطرفين في ممارسة ضغط كافٍ، قد تستمر الأزمة الإنسانية في غزة، مما يُفاقم التوترات الإقليمية ويُعزز التطرف.

رغم الضغط الأمريكي المتزايد من خلال رسالة النواب الديمقراطيين، فإن الاتحاد الأوروبي يبدو أقرب إلى تحقيق اختراق دبلوماسي بفضل دوره كوسيط وعلاقاته مع الأطراف الإقليمية.

ومع ذلك، فإن أي تغيير جوهري يتطلب تنسيقًا بين الطرفين، حيث تمتلك الولايات المتحدة النفوذ المباشر على إسرائيل، بينما يوفر الاتحاد الأوروبي الدعم اللوجستي والدبلوماسي. 

ويبقى أن الرهان الأكبر يبقى على إرادة إسرائيل السياسية لتغيير نهجها، وهو ما سيحدد مصير الأزمة الإنسانية في غزة.