مظهر شاهين يكتب.. رسالة إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: آن أوان الوحدة قبل فوات الأوان

مظهر شاهين يكتب.. رسالة إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: آن أوان الوحدة قبل فوات الأوان

إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قادة الأمة العربية والإسلامية، أعزكم الله، ووفقكم لما فيه صلاح الشعوب واستقامة المصير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد…

فإني أكتب إليكم لا من موقع المعارضة، ولا من منابر الضجيج، بل من قلب كل عربي حر، لا يزال يحلم بالكرامة، ويأنف الذل، ويتمنى أن يرى أمته وقد استعادت مجدها، ورفعت رأسها، وتخلّت عن خلافاتها، وتقدّمت خطوةً باتجاه نفسها قبل أن تمد يدها للآخرين.

إن المرحلة التي تمر بها أمتنا العربية ليست عادية، وما تعانيه مقدساتنا وأرواح أهلنا ليس تفصيلًا يمكن تجاوزه. دماء تُسفك في فلسطين، وأقصى يُدنّس، وأبرياء يُحاصرون ويُقصفون، بينما الغطرسة الصهيونية تتوحش، والهيمنة الأمريكية تزداد شراسة، بلا وازع ولا رادع.

أصحاب الجلالة والفخامة

لقد جُعلتم على عروشكم لتصونوا شعوبكم، ولتحموا كرامة الأمة. وحين يرى العالم العربي قادته متفرقين، ومصالحهم متضادة، وأصواتهم متباعدة، فإنه يفقد ثقته في غده، ويفقد احترام الآخرين له. فالوحدة ليست شعارًا عاطفيًا، بل ضرورة استراتيجية، لم تعد تحتمل التأجيل.

ونحن – إذ نوجه إليكم هذه الرسالة – لا نشكك في نواياكم، ولا نغمز في ولائكم لأوطانكم، وإنما نطالبكم بما يطالب به كل عربي ومسلم غيور: أن تتقدموا الصفوف في لحظة فاصلة، وأن تتخذوا القرار الذي يليق بمقامكم ومسؤوليتكم أمام الله والتاريخ والشعوب.

يا أصحاب الجلالة والفخامة

لقد مرت أمتنا العربية بلحظات عزّ صنعت مجد البشرية: يوم كانت بغداد منارة العلماء، ودمشق مهوى القلوب، والقاهرة قبلة الفكر، وقرطبة تدرّس الفلك والطب والفلسفة لأوروبا قبل أن تفيق من ظلامها. كنّا نحن سادة الموقف، لأننا اعتمدنا على أنفسنا، واحترمنا هويتنا، وارتقينا بشعوبنا علمًا وعدلًا وأخلاقًا.

لكننا اليوم، وأمام نكبة فلسطين، وتفكك القرار العربي، وضعف التكامل، أصبحنا ننتظر الفرج من غيرنا، ونستنجد بمن لا يرحم، ونفاوض على ما لا يُفترض أن يكون محل تفاوض: الأرض والعِرض والحقّ والمقدسات!

في المقابل، انظروا من حولكم يا سادة القرار:

• ألم تكن ألمانيا في الرماد بعد الحرب العالمية؟ لكنها اعتمدت على الانضباط والتخطيط والشعب، فصارت قاطرة أوروبا الاقتصادية.

• ألم تُقصف اليابان بقنبلتين ذريتين؟ ثم نهضت بالتعليم والعمل الجماعي، لا بالشعارات، حتى غدت إمبراطورية تقنية لا يُستغنى عنها.

• ألم تكن الصين في أمس الحاجة للمساعدات؟ فأصبحت اليوم نِدًّا لأمريكا، باعتمادها على ذاتها، وبتكاملها الداخلي، وبتحويل الفقر إلى فرصة.

فأين نحن من ذلك؟ ونحن نملك من المقومات أضعاف ما امتلكوه:

• نملك موقعًا استراتيجيًا لا يُقدّر بثمن
• ونملك ثروات طبيعية هائلة
• ونملك تراثًا حضاريًا عظيمًا
• ونملك مقدسات روحية تهوي إليها أفئدة الناس.

لكننا نفتقد الإرادة الموحدة، ونفتقر إلى مشروع جامع، ونخاف من بعضنا أكثر مما نخاف من عدونا.

وإننا لا نطلب مستحيلًا، بل نطلب ما تفرضه الضرورة والمرحلة:

• تعاون عربي مشترك، لا يكتفي بالقمم والخطب، بل يُترجم إلى خطط ومواقف وآليات تنفيذ.
• اكتفاء ذاتي في الغذاء والدواء والسلاح، يُغني الأمة عن مدّ يدها للغريب الذي يبتز، ويبيع، ويتآمر.
• تكامل صناعي وزراعي وتكنولوجي، يجعل من الثروة العربية المتناثرة شبكةً متكاملة، تُوظّف لخدمة شعوبنا، لا لحسابات الآخرين.
• تكامل وتعاون عسكري واقتصادي حقيقي، يحقق السيادة ويصنع التوازن، ويحمي الأمة من التبعية والتهديدات المتربصة.
• صونٌ للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، موقفًا موحدًا لا يقبل القسمة، ولا يخضع للمساومة، ولا يُجامل على حساب الدم والحق.
• وقفةٌ شجاعة في وجه الابتزاز السياسي، والاستعلاء الأمريكي، والهيمنة الغربية، التي تتعامل مع أمتنا بمنطق الاستهلاك لا الاحترام.

وإننا إذ نطالب بوحدة الصف العربي، فإننا نخص بالذكر مصر – قلب الأمة ودرعها، وركنها الركين – التي ما توانت يومًا عن نصرة قضايا العرب، وتحملت عبء المواجهات، ودفعت ثمن المواقف.
فلتكن يدكم في يدها، سندًا وسلاحًا، شركاء لا متفرجين، ومبادرين لا منتظرين.

كونوا مع مصر، كما كانت دومًا معكم، في الحرب كما في السلام، في الصراع كما في الإعمار، فمصر القوية توحّد، ومصر المُستهدفة إن تُركت، استُهدفتم جميعًا.

أيها القادة

إن الشعوب العربية ليست عاجزة، لكنها تحتاج إلى قيادة توحّدها، لا تُبدّدها.

تحتاج إلى مشروع يزرع الأمل بدل الخوف، ويعيد الثقة لا اليأس.

ولا نزال نؤمن، رغم كل شيء، أن الوقت لم يفت بعد، وأن في أمتنا من الخير ما يكفي لو استُنهضت الهمم، وصَدَقت العزائم.

وختامًا، أقول:

فإنها ليست رسالة لوم، ولا مقال عتاب، بل كلمة من قلب عربي مخلص، يؤمن أن في أمتنا من الخير ما يكفي، وفي قادتها من الحكمة ما يُرجى، وفي شعوبها من الصبر ما يُدهش.

أكتب إليكم بلسان المحبّ، لا المعارض، وبقلب الناصح، لا الغاضب.

أكتب إليكم من موقع الشراكة الصادقة في الهمّ والمصير، لا من موقع المزايدة أو التصنيف.

أيها القادة

إن شعوبكم ما زالت تنتظر منكم موقفًا يصنع التاريخ

لحظةً تعيد فيها الأمة اعتبارها.

وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة.

فلا تدعوها تمر، كما مرّت غيرها.

والله المستعان، وعليه التُكلان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.