خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرؤ واستخفاف يقود للفتنة

ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول واجب المؤمن في زمن الفتن.
وقال الدكتور ربيع الغفير، إن من أقدار الله تعالى وأرزاقه لهذه الأمة أن تمر بابتلاءات متنوعة الأشكال والصور، ولكن من رحمته سبحانه بنا أن أرسل إلينا نبيه محمدًا ﷺ الذي أوضح لنا كل ما يهمنا في ديننا، وبين لنا كذلك كيف نتعامل مع الفتن والأزمات، لأن في هدي النبي ﷺ إلهام لنا في الصمود على الحق وتجاوز الفتن والأزمات، وهو باب من أبواب الرحمة التي منحها الحق سبحانه وتعالى لعباده، فهو بنا رؤوف رحيم كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة ويحدث الأزمات في المجتمع
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن من أساليب النبي ﷺ الدعوية العظيمة أنه إذا ذكر الشر ذكر المخرج منه، فعندما تُذكر الفتن، يذكر ﷺ كيف نواجه هذه الفتن، فمن الأمور العظيمة التي ينبغي علينا أن نراعيها عند الفتن والأزمات، الإقبال على العبادة، فالفتن من أوقات الهرج والمرج، الكل مشغول بالكلام والحديث عنها، فهذا يحلل وهذا يدلي برأيه وهذا يقول أظن وسمعت، لذلك رغّب النبي ﷺ في العبادة وقت الفتن والأزمات فقال: (عبادة في الهرج كهجرة إليّ)، ومنها الدعاء، فالمسلم حريص على تحقيق هذه العبادة العظيمة التي لها صلة كبيرة جدا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فتجده منطرح بين يدي الله، فقير إليه محتاج إلى لطفه وكرمه ومنته.
وأضاف: وفي عبادة الدعاء، يتبرأ الإنسان من حوله وقوته وإبعاد للعجب والغرور عنه، وهذا أمر في غاية النفع وقت الفتن والأزمات، وقد كان النبي ﷺ يستعيذ بالله من شر الفتن، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ”.
وأعرب عن استيائه الشديد من تجرؤ البعض على الحديث في مسائل الدين بغير علم، مستخفين بأمر الخوض في أمور الدين بهذا الطريقة، مشيرًا إلى أنه إذا كان علمُنا بالدين محدود، فإن الواجب علينا هو التوجه إلى العلماء الثقات الراسخين في العلم، امتثالًا لأمر الله تعالى الذي فيه الخير والبركة والراحة والطمأنينة، حيث قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾، محذرا أن يُعجب الإنسان برأيه وقت الفتن فيرى أنه هو الذي على الصواب وغيره على الخطأ، وهذا كله خطأ وقصور في العقل والتفكير قال ﷺ: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا)، فلو رأى الإنسان نفسه أنه قد بلغا مبلغا عظيما من العلم أو الخلق أو أي شيء آخر فالواجب عليه أن لا يعجب بنفسه، وأن يحتقر غيره، مبينا أن الانخراط في الشائعات والفتن ما يتعارض مع سنة النبي ﷺ الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته ﷺ.
وحذر من الانسياق وراء الإشاعات وبخاصة التي تنتشر وقت الأزمات، لأن هذا الوقت بيئة خصبة لانتشارها، وأبدى أسفه لتصديق البعض كل ما يقل أو ينقل، دون إعمال العقل بالبحث عن الحقائق أو التفكير فالأمر بموضوعية، فالواجب علينا التروي وعدم التسرع في تصديق ونشر الأخبار، مذكرا بضرورة أن يكون المسلم حريصًا على النطق بالخير أو الصمت عن الشر، مع تجنب الفرقة والنزاع في أوقات الأزمات، واللجوء إلى الله بالتعوذ من الفتن وسد أبوابها، والاتحاد واليقظة لما يُدبر للبلاد والدين، بالإضافة إلى ضرورة تربية الأبناء على الوحدة والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فهما سبيل النجاة من كل فتنة ظاهرة وباطنة.