كشمير في عين التنين

كشمير في عين التنين

لم يكن الصراع الأخير بين الهند وباكستان على حدود كشمير سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من النيران المعلقة بين ضفتي نهر جهيلم.

فالحقيقة أن ما نراه على السطح – من قصف مدفعي أو خرق للمجال الجوي أو تصريحات نارية – ليس سوى تعبير عابر عن أزمة أعمق، غاصت جذورها في تربة التاريخ، وتفرعت أغصانها في واقع قومي مضطرب، وتحركها – في الخفاء أو العلن – مصالح دولية لا تعرف البراءة.

لقد نشأ هذا الصراع مع فجر الاستقلال عن التاج البريطاني، حين اختار المهراجا الهندوسي لإقليم كشمير المسلم الانضمام إلى الهند، فكان ذلك أول مسمار في نعش السلام بين دولتين خرجتا لتوهما من رحم واحد، لكن بجراحات دامية وخرائط ملغومة.

ومنذ ذلك اليوم، لم تكن كشمير مجرد قطعة أرض متنازع عليها، بل تحوّلت إلى رمز للهوية، ووقود للأيديولوجيا، وميدان مفتوح لتصفية الحسابات، ليس فقط بين نيودلهي وإسلام آباد، بل بين عواصم كبرى تقف على تخوم المشهد، تتبادل الأدوار والمصالح.

وفي الأزمة الأخيرة، لم يكن التصعيد إلا ترجمة لواقع سياسي محتقن في البلدين، ففي الهند تسود قومية هندوسية جريئة يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، تتغذى من مشاعر التفوق الديني، وترى في كشمير تحديًا لسيادة الهند الكبرى.

وفي باكستان، ما زال الجيش يمسك بخيوط اللعبة، ويجد في ورقة كشمير وسيلة لإعادة الاصطفاف الوطني كلما تصدعت الجبهة الداخلية.

لكن الأخطر – وربما الأهم – هو دخول السلاح النووي على خط الأزمة، ذلك أن سباق التسلح بين البلدين، وامتلاكهما لقوة الردع النووي، خلق توازنًا هشًا، أشبه برقصة فوق حافة الهاوية، فكل تصعيد يحمل في طياته شبح كارثة إقليمية، ويضع العالم أمام احتمالات لا يمكن توقع عواقبها.

وهنا، تقف الصين، بثقلها وجغرافيتها وأطماعها، طرفًا ثالثًا لا يمكن تجاهله، فهي الحليف الأوثق لباكستان، تدعمها بسخاء سياسي وعسكري، وتغذي خطوطها الاقتصادية عبر الممر الذي يشق كشمير المتنازع عليها، لكنها – في الوقت ذاته – تُبقي على قنواتها التجارية مفتوحة مع الهند، التي تُعد سوقًا ضخمًا يصعب التفريط فيه.

لقد حاولت بكين أن تُلبس موقفها ثوب الحياد، فتدعو إلى ضبط النفس، وتُحذر من الإجراءات الأحادية، لكنها – في الواقع – تميل إلى باكستان في المحافل الدولية، وتتحرك بدافع استراتيجي جوهره منع نشوء محور أمريكي هندي يهدد طموحاتها في آسيا.

وإذا نظرنا إلى المشهد الإقليمي الأوسع، فإن ما يجري ليس مجرد خلاف حدودي، بل هو اختبار يومي لترتيب القوة في جنوب آسيا، فالهند تريد أن تكون قطبًا لا يُنازع، وباكستان ترى في ذلك خطرًا وجوديًا، أما الصين فتلعب على الحبلين، تسند حليفتها، وتفاوض خصمها، وتُبقي عينها على الكعكة الكبرى.

إن أزمة كشمير اليوم ليست سوى العنوان الظاهر لمرحلة تتشكل فيها موازين القوى من جديد، وإذا لم تُفتح نوافذ للحوار بين الجيران المتنافرين، فإن عبء التاريخ سيثقل كاهل الحاضر، ويقود المنطقة إلى مستقبل تُحكمه الحسابات الباردة أكثر من المبادئ.

ويبقى السؤال معلقًا: هل تتحول كشمير إلى جسر للحل، أم تبقى جبهة مفتوحة على الدمار؟