كان نهار الدنيا لسه مطلعش وكان عندنا عز النهار

كان نهار الدنيا لسه مطلعش وكان عندنا عز النهار

مصر صاحبة الإرث التاريخي والحضاري العظيم، تشهد ربوعها عظمة حضارتها وتاريخها.

أثناء تقديم التهنئة لقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الارثوذكسية بمناسبة عيد القيامة المجيد، ووسط جمع من المهنئين قال كلمة كلها محبة ووطنية وتقدير لمصر وللمصريين عبر التاريخ.

وذكر دور الكنيسة في بداية المسيحية وقوتها وتأثيرها في صياغة الفكر الديني المسيحي، وانها تمثل النقاء والضمير الحي. 

كما ذكر دور الكنيسة في نشأة الرهبنة، والتي نشأت في مصر علي يد الانبا انطونيوس، ومن بعده الانبا مكاريوس الذي وضع قواعد الرهبنة.

واستمر في كلمته الطيبة حتي قال اننا نحتفل في العام بأربعة أعياد كبرى في مصر، عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد الميلاد المجيد، وعيد القيامة المجيد، وان دل ذلك يدل على الروح الطيبة التي تجمع بين المصريين مسلمين ومسيحيين.

كانت كلمة قداسة البابا كلها محبة، وذكرتني بحواري مع الانبا ارميا حول مقاله مصر الحلوة والذي طلبت منه ان يتم تجميع تلك المقالات القيمة في كتب، لأن يجب علينا معرفة تاريخنا، وان نعيش فترات الانتصارات والفرح، ونتعلم بما مر بنا من هزائم وانكسارات، لنأخذ منها العظة والعبرة. 

فنحن في مصر نعيش في فصيل واحد، وكعائلة، نقطن في كل ربوعها، لم نكن كاليهود منعزلين، او تجمعنا مناطق مخصصة، انما جمعتنا ارض مصر في القرية والمدينة، في الشوارع والميادين، في المصانع والمدارس.

في ثورة ١٩١٩ خطب القساوسة بالمساجد، والشيوخ داخل الكنائس، رفعنا رايات يحيا الهلال مع الصليب، وعلي مدار التاريخ القديم والحديث جمعنا مصير واحد، في الحرب والسلم كنا معا، في الفرح والحزن تضامنا معا، في ثورة يناير و30 يونيو كنا معا، لم نعرف يوما التفرقة، ولم يسأل منا أحد على دينه، انما نحترم عقائد بعضنا البعض، أتذكر في العمل يصوم بعض زملائنا ونذهب نفطر معا، مصر الحلوة كما يقول دائما الانبا ارميا بشعبها وحضارتها وهويتها الراسخة في قلوب الجميع.

نحتفل بمولد السيدة زينب والمولد النبوي الشريف كما نحتفل بعيد السيدة العذراء، نتجمع في مولد مارجرجس بميت دمسيس، كما نجتمع معا في مولد سيدنا الحسين، نذهب إلى جبل الطير ودير المحرق، كما نذهب الي مولد السيد البدوي بطنطا، فنحن نعيش في مصر كعائلة واحدة، فالدين لله والوطن للجميع، وحافظت مصر دائما على هويتها وتوازنها أمام كل المؤامرات والفتن التي تهدد وحدة أبناء شعبها مسيحييها ومسلميها.

وهنا أتذكر قول البابا شنودة رحمة الله: ان مصر ليست وطن نعيش فيه، لكنها وطن يعيش فينا.

ففي بداية الدعوة الإسلامية أرسل رسول الله خطابه إلى المقوقس حاكم مصر (عظيم القبط) فأحسن استقبال رسول الله، واهداه الهدايا ومنها جاريتين تزوج الرسول عليه السلام من ماريه القبطية وأنجب منها ابنه إبراهيم، وقد ذُكرت مصر في القران عدة مرات وأصى الرسول بأهلها خيرا.

في بداية نشر الدعوة الإسلامية كانت مصر مسيحية، وتحت حكم الدولة البيزنطية، وقد ارهق المصريين تحت حكم والي هرقل، حتى هرب البطريرك بنيامين والقساوسة من التنكيل بهم، وقد استقبل المصريين الفتح العربي كفاتحين ومنقذين لهم من هذا الظلم، وعندما دخل عمرو بن العاص كتب كتاب الأمان والسلامة للبطريرك بنيامين وعاد إلى كرس مارمرقص الرسول، يدير شئون الكنيسة بعد هروب أكثر من ثلاثة عشر عاما.

 

ويشير المؤرخون في تلك الفترة أن عمرو بن العاص لم يغتصب حقا للأقباط ولم يمارس جنوده أي اعمال مشينة من السلب والنهب انما كان للأقباط كل الحماية والأمان.

بل لم يتم الضغط على أحد للتحول من المسيحية إلى الإسلام، واستمر ذلك قرونا حتى تحول الغالبية إلى الإسلام، مع أن النوبة استمرت حتى القرن الرابع عشر لتتحول إلى الإسلام.

انما ما حدث في عهد الدولة الأموية، أن تحولت المراسلات في الدولة المصرية من القبطية الي العربية، وظلت اللغة القبطية داخل الكنائس فقط.

ويعتبر ذلك تحولا تاريخيا فقد كانت اللغة الأساسية هي الهيروغليفية وفي ظل حكم الدولة اليونانية والرومانية، كتب المصريين اللغة اليونانية بحروف قبطية، حتى تحولت بعد قرون من الفتح الإسلامي إلى اللغة العربية.

فالمصريين كما ذكر قداسة البابا نسيج واحد، لم يعرفوا يوما العصبية ولا الطائفية، ومهما حاول الأعداء هدم تلك الوحدة وتعكير صفو تلك العلاقة تحت أي غرض او حدث طارئ لن يفلحوا ابدا.

 

فمصر كبيرة وعظيمة بأزهرها الشريف وكنيستها القبطية الارثوذكسية، فكما كانت ومازلت كنيسة الإسكندرية لها مكانتها ودورها الكبير في العلم كله، وكانت مدرسة اللاهوت والتي تخرج منها أقطاب عظام وبطاركة في العالم المسيحي، كان الازهر منارة للعلم والمعرفة وقبلة كل طلاب العلم من كل اقطار العالم.

 

وستظل مصر تحتضن سمائها المآذن وتسمع فيها صوت أجراس الكنائس، حفظ الله مصر ووحدة شعبها دائما وابدا، وحفظنا الله من الفتن والشائعات وكل ما يهدد وحدتنا وقوتنا.. حفظ الله مصر.