الدبلوماسية المصرية تُحجّم عربدة أمريكا بالمنطقة

الدبلوماسية المصرية تُحجّم عربدة أمريكا بالمنطقة

لا يخفى علينا التحركات المصرية في السنوات الأخيرة بمحيطيها الإفريقي والعربي؛ من أجل قضايا مصيرية ملحّة، منها المتعلق بها مباشرة وبأمنها القومي، ومنها المتعلق بحفظ دورها وثقلها بالمنطقة.

نبيل فهمي وسامح شكري وبدر عبد العاطي.. قامات تصدرت واجهة الخارجية المصرية وعبرت عن وجهة نظر مصر وكانوا مقدمة حربتها لعقد لقاءات ومباحثات هامة خلال عقد مضى، بداية من محاولة فرض عزلة إفريقية على مصر بعد 2013 عن طريق تعليق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عضوية مصر في الاتحاد الذي يضم 54 دولة، وصولا إلى إحباط محاولات أمريكا لشرعنة تهجير الفلسطينيين من غزة، وفرض سياسة الأمر الواقع عبر زيارات رئيس الجمهورية ونشاطات الخارجية.

وعلى رأس تلك الزيارات التي أحدثت فارقا في إحباط خطة أمريكا، خصوصا بعد وصول ترامب إلى كرسي البيت الأبيض، ودفعه علانية وبقوة في اتجاه المصالح الإسرائيلية والأمريكية بالمنطقة، عبر هضم وتناسي الحق الفلسطيني الثابت منذ الأزل:

زيارة الرئيس السيسي 20-2-2025 إلى الرياض للمشاركة في اجتماع -غير رسمي- حول القضية الفلسطينية، وذلك بمشاركة قادة كل من: مصر والسعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين والأردن، ولعل ظهور قادة الدول المجتمعة بعيدا عن الرسميات والبروتكولات بملابس ومراسم غير رسمية كانت بالذكاء بمكان، حيث عمدت إلى تصدير فكرة ثبات الموقف وعدم التعجل، وكانت معبرة عن أجواء ودية سائدة، عصفت بمحاولات لا تنقطع للعبث بالعلاقات عبر (أسافين دبلوماسية من إسرائيل تحديدًا).

كما جاءت زيارة رأس الدولة المصرية 10-10-2024 إلى العاصمة الإريترية أسمرة تلبية لدعوة رئيسها تبرز فكرة عمل الدبلوماسية المصرية على ملفاتها الخارجية بالتوازي في الوقت ذاته، لكون علاقتها الإفريقية فيصل وحجز زاوية هام لخدمة مصالحها المائية وترسيخ وجودها وعدم ترك الساحة لإسرائيل التي نشطت في قلب إفريقيا وأدركت مصر ذلك فكانت تحركاتها لتبقى يقظة لمصالحها وعلاقتها.

كما برز وصول الرئيس إلى مدينة العقبة بالمملكة الأردنية الهاشمية، 11-6-2024، إلى الأردن، للمشاركة في المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية الطارئة دعمًا لأهل فلسطين، وإيمانا بالدور الإنساني المصري الذي لا يمكن التخلي عنه أو إغفاله

كما شهدت أروقة الخارجية والرئاسة نشاطات ماكوكية -دون مبالغة- ترجمها الرئيس في جولة أوربية تضمنت زيارة 3 دول رئيسية لها ثقلها بالاتحاد الأوروبي هي الدنمارك والنروبج وأيرلندا خلال الفترة من 5 إلى 11 ديسمبر 2024، حيث شملت البعدين الأهم الوضع الإقليمي والحرب الدائرة بين عدة أطراف وملفات الاستثمار، ودعم الاقتصاد الوطني عبر توقيع شراكات ناجحة تصب في صالح القاهرة.

كما تدرجت الزيارات والنشاطات صعودا إلى أوجها بزيارة الرئيس إلى إسبانيا في فبراير الماضي، واللقاءات التي جمعته برئيس الوزراء وملك إسبانيا التي دارت معظمها من أجل ضمان احترام حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، بوصفه المسار الوحيد الضامن لتحقيق السلام الدائم بالمنطقة وذلك لما لإسبانيا من ثقل ووزن في الاتحاد الأوروبي ودورها المحوري في صناعة القرار.

وكانت أهم تلك الزيارات والقشة التي قسمت ظهر البعير الأمريكي -منذ نحو شهر- زيارة ماكرون الناجحة إلى القاهرة -بدعوة من الرئيس السيسي- والتي شهدت ترتيبًا غاية في الذكاء والدهاء السياسي، تنظيمًا ونتيجة وأثرًا، حيث شملت زيارة إلى أهم الأسواق السياحية المصرية وأقدمها -خان الخليلي- لدعم السياحة الأوروبية بمصر، وتنظيم زيارة إلى معبر رفح لعرض نتائج الصلف الإسرائيلي على أرض الواقع بعيدا عن الإعلام وقد آتت الزيارة نتائجها وترجمت نجاحها قبل عودة الرئيس ماكرون حتى إلى باريس، بإعلان عزمه تأييد قيام دولة فلسطينية وأهمية إنهاء سياسة تجويع القطاع ومنع دخول المساعدات، مما تسبب في حالة عدائية بين نتنياهو وماكرون انعكس زخمها في مهاجمة نجل نتنياهو لماكرون وسياسة فرنسا عبر تطبيق تويتر.

لا شك أن تلك الزيارات وغيرها عصفت بأحلام نتنياهو وترامب، ووضعت حدا لشهر العسل بينهما، بعد إحراج الإدارة الأمريكية ودفعها نحو التخلي عن خطة تهجيرها التي شاهدنا إصرار ترامب على تمريرها لتحل محلها زيارات عبر مبعوثه للشرق الأوسط لمتابعة جهود وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وكذلك زيارته المرتقبة إلى المنطقة التي أكد محللون ومختصون أنها تأتي لحل شامل، يأتي على رأسه ترجيح إعلانه تأييد قيام دولة فلسطينية، وسط توتر الأجواء بينه وبين نتنياهو.