هنو.. مواجهة التيار!!

فكرت كثيرا قبل أن أخوض معركة أعلم علم اليقين أنني سأكون أحد أطرافها بمجرد نشر هذه السطور، وأعلم أن هناك من سيتهمني لمجرد أن الطرف الذي أدافع عنه يتقلد منصب وزير، وليس أي وزير فهو وزير لوزارة أنا احد قياداتها، ولكني وبعد تفكير عميق قررت الكتابة لإيضاح بعض النقاط التي من الممكن أن تكون غائبة عن البعض من رافعي الشعارات والمدافعين عما تناولته وسائل الإعلام بشأن إغلاق عدد من قصور الثقافة، وعلى الفور تجلت بعض الآراء بمواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لصناعة رأي عام مضاد وللنيل من وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، واتهمته بالفشل تارة وبعدم الوعي تارة أخرى وغير ذلك من اتهامات بالتقصير وعدم الفهم إلخ.
الغريب حقا أن 90% وربما أكثر أخذوا في تصدير فكرة غلق قصور الثقافة، ولم يهتموا بنشر التفاصيل، ولم يهتموا بالتدقيق فيما بثته وسائل الإعلام وكأنهم كانوا في انتظار أي مصيبة ليشبعوا فيها لطمًا كما يقول المثل الشعبي الشهير!!، وإليكم الحكاية بتفاصيلها.
عبد الرازق بك السنهوري وزير المعارف في أربعينات القرن الماضي بدأ في تشييد أول قصر ثقافة عرفته مصر، وذلك من أجل تقديم خدمة ثقافية فينة متكاملة للجماهير، ومع تولي الوزير ثروت عكاشة الوزارة في الستينيات وكانت وقتها تحت مسمى وزارة الإرشاد القومي أراد محاكاة فكرة قصور الثقافة بالاتحاد السوفيتي والتي كان الغرض الخفي من إنشائها الترويج للفكر الشيوعي السائد وقتها في روسيا كما نعرفها الآن، وبالفعل نجحت تجربة الوزير عكاشة في استقطاب المصريين ونجحت التجربة وببراعة في تغذية العقول آنذاك بالثقافة المصرية والاشتراكية الناصرية التي كان نظام الرئيس عبد الناصر ينادي بها، ومع مرور الوقت وتحديدًا في عهد الوزير الفنان فاروق حسني وزير ثقافة عهد مبارك تطورت القصور وانتشرت في أرجاء الوطن وتحولت من مسمى الثقافة الجماهيرية إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة بقرار جمهوري في العام 1989، وقد أفرزت تلك القصور فنانين ومثقفين ومبدعين من كل أرجاء الوطن وباتت أهميتها عظيمة لدرجة جعلت البعض يصفها بوزارة الغلابة للثقافة في إشارة إلى أن تلك القصور هي المتنفس الحقيقي لكل مشروع مثقف ومبدع وفنان مصري باحث عن نافذة لإثبات ذاته الإبداعية، وما أكثر هذه المشاريع المنتشرة بربوع مصر التي تعاني من حالة تعطش ثقافي حقيقي، الأمر الذي انعكس بأهميته على نواب مجلسي الشعب والشوري آنذاك قبل 2011، وبعض المحافظين للسعي الجاد من أجل تشييد مواقع ثقافية قدر الإمكان لإدراكهم أهميتها من جهة ومن جهة أخرى لمغازلة المواطنين لكسب أصواتهم، ولأن الدولة لا تستطيع بناء قصر بمواصفات الكمالية بكل مركز أو قرية فكانت فكرة المكتبات والبيوت الثقافية التي نطلق عليها مجازا قصور ثقافة.
ولكن هي في حقيقة الأمر أصغر كثيرا من إمكانيات القصر، فلا توجد بها على سبيل المثال وليس الحصر قاعة مسرح أو سينما أو قاعة ندوات أو مشغل أو مرسم أو قاعة عرض تشكيلية أو نوادٍ مكتبية كما هو الحال في القصور الرئيسية، وإنما الأمر فعليا إمكانياته أقل بكثير ولكنه يفي الغرض المنشود ؛ ومع اندلاع أحداث 25 يناير 2011 ومع حالة الحراك المجتمعي التي وصلت لحد الفوضى وقتها زادت طلبات إنشاء البيوت والمكتبات وواكب ذلك حركة التعيينات الكبيرة التي أرضت بها حكومة عصام شرف المطالب الفئوية لتتضاعف أعداد الموظفين ولأن الأمر لم يكن مدروسا فكانت النتائج كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معني سواء علي صعيد التخصصات التي استقبلتها وزارة الثقافة أو علي صعيد أعداد الموظفين الجدد ليصل الأمر ان تكون مكتبة مساحتها 40 مترا يعمل بها عشرة موظفين !! أو حتى قصر كبير مثل الأقصر يضم أكثر من خمسمائة موظف!! لتدخل الهيئة العامة لقصور الثقافة في دوامة تلو أخرى.
وبالطبع انعكس ذلك على مستوى الخدمات المقدمة وعانت من حالة عدم استقرار كارثية أضعفت من آدائها وفقا لتقارير الأجهزة المختصة، ومن هنا تحديدا كان قرار الوزير هنو بتشكيل لجنة تطوير قصور الثقافة التي تضم نخبة من المتخصصين في شتى المجالات وتضم أيضًا أصحاب خبرات طويلة بالهيئة والتي اجتمعت – ولا زالت – من أجل وضع خارطة طريق لخروج الهيئة من كبوتها بعدما قررت الإبقاء على البيوت والمكتبات الناشطة الفاعلة دون مساس – إذن هناك حُسن نوايا – ومن أجل تقديم الخدمة الثقافية والرسالة المنشودة بشكل يتناسب مع مكانة الصرح الكبير، وبالفحص تبيَّن أن هناك عددا من البيوت والمكتبات (المؤجرة).
أولًا: لا تُقدَّم الخدمة الثقافية بالشكل المأمول، ثانيا: عدد موظفيها يفوق العدد المطلوب أضعافًا مُضاعفة، ثالثًا: وجدت اللجنة أن مساحات بعض المكتبات والبيوت لا تتناسب إطلاقًا مع الدور المنوط بها حيث وصلت المساحة بأحد المواقع إلى تسعة أمتار علمًا بأن موظفي هذا الموقع ثمانية أفراد!! هل هذا يُعقل؟! وقِس على هذا بعض الأوضاع التي لا يمكن أبدًا أن تتناسب مع قيمة الخدمات المقدمة من وزارة الثقافة المصرية؛ ولذا وقف الوزير وقفة حاسمة بعدما درس الأمر جيدًا واستعان بوزارات الشباب والرياضة والتعليم العالي والتربية والتعليم والتعليم الفني والأزهر الشريف والكنيسة المصرية لما يتمتعون به من مواقع ممتدة في ربوع مصر؛ ودرس كيفية الوصول للجماهير عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة؛ وقام بتفعيل المسارح المتنقلة والقوافل لخدمة الأماكن التي يصعب الوصول إليها ثقافيًا لاستيعابه تمامًا أهمية الدور الذي تلعبه الوزارة في مواجهة الجهل والتطرف والأفكار الظلامية، هذا فضلًا عن مشاركة الوزارة في مبادرة حياة كريمة التي تتوغّل بالقرى وتبني لهم مستقبلًا كريمًا..
هذا هو ملخص الأزمة المفتعلة التي تريد أن تنال من الوزير وتُزايد عليه وتُروِّج للكذبة المنتشرة أن وزير الثقافة يُغلق قصور الثقافة بل ويُشرد العاملين ويبيع الأصول!!
انتبهوا أيها السادة وكفاكم شعارات ومزايدات ولتُدركوا قيمة التطور والإحداثيات التي طرأت على المجتمعات بدلًا من الوقوف بالزمن عند عام 1960!! فالوقوف بالزمن وإطلاق الشعارات الرنانة لن يُقدِّم بنا خطوة للأمام، ففي الوقت الذي يُنادي به البعض باستمرارية بيت ثقافة 100 متر قوامه غرفة وصالة ودورة مياه، يُنادي الوئيد السيسي بإدخال الـAI (الذكاء الاصطناعي) كمادة أساسية في التعليم؛ وفي الوقت الذي يفخر فيه أحدهم بندوة حضرها تسعة أفراد (منهم سبعة موظفين) بمكتبة 40 متر، يقوم الـChatGPT بالتأليف!! وفي الوقت الذي تطفح فيه المجاري ببيت ثقافة تُعيق حتى فتحه، قامت الدولة المصرية بتشييد مدن جديدة، طرق بمواصفات عالمية، ومناطق بديلة للعشوائيات!!
ارفعوا أيديكم عن هنو وكفاكم وصاية، فنحن بدولة كبيرة تتمتع بأجهزة كبيرة لن تقبل بالخطأ؛ ارفعوا أيديكم عن هنو ودَعوه يُطور ويُحرّك الحجر الراكد، وتيقنوا أنه مصري مثلكم تمامًا ولا يقل وطنية عنكم؛ ارفعوا أيديكم عن هنو، فمن وُضعت يده بالنار أكثر تضررًا من الذي يضع يده على أزرّة الكيبورد بشبكات التواصل الاجتماعي في وقت الفراغ.