من يمتلك الله يستطيع السير فوق المياه

في السياسة لا مكان للعواطف والمصالح هي المحرك الأول للعلاقات الدولية وفي عالمٍ تتحكم فيه الأرقام والتحالفات، لفتت أنظار العالم تلك الزيارة التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عدد من دول الخليج واستُقبل الرجل بحفاوة قلّ نظيرها، وسُرعان ما أعقبتها إعلانات ضخمة عن استثمارات وصفقات تجاوزت قيمتها التريليون دولار، تصبُّ في صالح الاقتصاد الأمريكي والطائرة القطرية المُهداة من أمير دولة قطر إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية حيث انقسمت الآراء بين من اعتبرها بادرة دبلوماسية غير مسبوقة تعكس قوة العلاقات بين الدوحة وواشنطن وبين من رأى فيها تجاوزًا للأعراف.
ووجدت هذه التعاقدات طريقها للنقاش والانتقاد في بعض الأحيان عند البعض بين من رأى فيها تنازلًا سياسيًا ومن اعتبرها خطوة اقتصادية حكيمة وجيدة، وبغض النظر عن وجهات النظر فإنني أرى في هذا المشهد دليلًا على حرص تلك الدول على تحقيق مصالحها الوطنية بأدواتها الخاصة، وهو حق أصيل لكل دولة ولا يسعنا في مصر إلا أن نُحيي أشقاءنا في الخليج على حبهم لأوطانهم وسعيهم المستمر نحو الأفضل لشعوبهم فان نجاحهم يسعدنا وتقدمهم يفرحنا وسلامة أمنهم جزء لا يتجزأ من أمننا القومي وهم الأقرب إلينا نسبًا ودمًا ومصيرًا.
اما بالنسبة لتجاهل ترامب زيارة مصر في جولاته بالمنطقة بالرغم من أنها الدولة الأكبر والأثقل وزنًا سياسيًا وتاريخيًا قد يكون ردا ضمنيا على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، والتي جاءت لتؤكد أن مصر لن تكون بعزلة بعيدًا عن أمريكا وأن رئيسها يمتلك من أدوات التأثير الإقليمي والدولي ما يجعلها رقمًا صعبًا لا يُمكن تجاوزه فضلا عن رفض الرئيس السيسي زيارة البيت الأبيض سابقا، والمساومة على قضية التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية والتقارب المصري الصيني، من خلال المناورات العسكرية المشتركة الأخيرة.
قد لا نملك الوعود التريليونية ولكن تظل مصر كبيرة القوم ودولة صاحبة قرار ومكانة لها ثقلها التاريخي والجغرافي والسياسي، تسير وهي مرفوعة الرأس بثباتٍ وسط أمواج تواجه معها تحديات اقتصادية ضخمة وضغوطًا دولية ومؤامرات إقليمية عاتية تعبر الأزمات بقدرةٍ لا يفهمها إلا من يعرف معنى أن اللي معاه ربنا يمشي على الميّه.
نحن لا نقلل من نجاحات الآخرين، بل نعتز بها ونفخر بأشقائنا لكننا ايضا نؤمن أن مصر لها طريقها المختلف.
عزيزي المصري، مصر لم تُخلق لتُرضي أحدًا بل لتبقى مستقلة الإرادة، في كل مرة ظنّ فيها البعض أن مصر على وشك السقوط كانت تنهض أقوى وأصلب وأشد عزيمة.