إسرائيل بين أوهام القوة وصلابة الإرادة المصرية

تعتقد القيادة الإسرائيلية اليوم أنها في وضع إقليمي ودولي يسمح لها بتحقيق أهدافها، فتمضي في إشعال الحروب وافتعال الأزمات، ومن بينها الأزمة الراهنة مع مصر بشأن الوجود العسكري في سيناء، الذي فرضته ضرورات الأمن القومي المصري.
وفي جنونها هذا، تراهن إسرائيل على الدعم الأمريكي المطلق، باعتبار الولايات المتحدة الشريك الثالث في اتفاقية كامب ديفيد وملحقها الأمني، كما تراهن على حالة الخوف والرعب التي تزرعها في المنطقة، والأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وتظن أن اللحظة الحرجة والمرتبكة التي تشهدها المنطقة والعالم، تسهّل عليها ليّ ذراع مصر للتراجع عما حققته من مكاسب وإنجازات على تراب سيناء.
غير أن إسرائيل تغفل عن حقائق التاريخ؛ فمصر رغم الأوقات العصيبة التي مرت بها، لطالما واجهت التحديات وصنعت الإنجازات، فبعد نكسة 1967، ورغم الحصار الغربي القاسي والمقاطعة من المؤسسات المالية الكبرى، وعلى رأسها البنك الدولي الذي أوقف تمويل السد العالي، واجهت مصر كل التحديات ونجحت في بناء السد، وأرست قاعدة صناعية قوية، كان أبرزها صناعة الحديد والصلب، وتوسعت شبكات المواصلات والاتصالات، وارتفع مستوى التعليم وإنتاج الطاقة.
وفي وجه عنجهية إسرائيل وجرائمها، تمكنت الدولة من نقل أكثر من 3.5 مليون مواطن من مدن القناة إلى العمق المصري، حتى لا يكونوا رهائن لابتزاز العدو، ووفرت لهم البنية التحتية اللازمة من إسكان وتعليم وخدمات.
وفي تلك المرحلة، شُيّد “الهرم الرابع”… جيش مصر، على أسس قوية ومتينة، حتى بلغ أوج قوته بعبوره قناة السويس في السادس من أكتوبر، ولقّن إسرائيل درسًا قاسيًا، يجب ألا تنساه، في معركة أذهلت العالم، وأعادت صياغة المفاهيم العسكرية والاستراتيجية الدولية، وأكدت عظمة الجيوش عندما تعبر عن إرادة شعوبها.
واليوم، لم تدرك إسرائيل أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخلفه شعبٌ وجيشٌ وموارد ورؤية ومشروع تنموي، أقوى إرادة وأكثر قدرة من أي وقت مضى على تحقيق المنجزات ومواجهة التحديات، ولم تستوعب أن عربدتها وعدوانها لم تبث الخوف في نفوس المصريين، بل عززت فيهم روح التوحد والانتماء والانتباه للمخاطر المحدقة بأمنهم الوطني والقومي، واستعدادهم التام لمواجهة أي تهديد يلوح في الأفق.
ولم تفهم إسرائيل أن القيادة والشعب المصريين ينظرون إلى هذه التطورات، إن هي مضت فيها إلى ما هو أبعد من تقديم شكوى إلى الولايات المتحدة – بصفتها الطرف الثالث والراعي لاتفاقية كامب ديفيد – كفرصة سانحة لإعادة صياغة المعادلات الأمنية المرتبطة بالاتفاقية، ليس عبر المواجهة العسكرية المباشرة، بل من خلال الجلوس إلى طاولة الجغرافيا وحقائق الواقع، حيث ستكون موازين القوى مختلفة، وستفرض الحقائق الجديدة التي أرساها الجيش المصري في سيناء واقعًا لا يمكن تجاهله، واقعًا يُحتّم مراجعة قواعد الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد لصالح مصر.. فينقلب السحر على الساحر، وحينها تدرك إسرئيل أن “ما كل الألوان البيضاء شحوم”.
كما أن إسرائيل لم تدرك أن مصر ليست وحدها، بل تمتلك عمقًا عربيًا وإسلاميًا وإفريقيًا واسعًا، وأن الأمة العربية تدرك أن مصر هي ركيزة الأمن القومي العربي، وأن جيشها هو خط الدفاع الأخير في وجه التهديدات الإسرائيلية المتزايدة، وأي محاولة للنيل منها لن تمسها وحدها، بل ستهدد استقرار المنطقة والعالم.