(أبو رمزي).. الفراق المؤلم

عبدالرحيم بن مسفر رمزي (أبو رمزي).. رحل كما ترحل القطرة من فيِّ السقاء، هادئًا ونديًّا، دون أن يُتعب أحدًا، حتى أقرب الناس إليه.
رحل في وقتٍ لو خُيّر لاختار مثله، فهو بطبعه لا يحب أن يُثقِل على أحد، ولا أن يكون سببًا في نصبٍ أو وصب.
كأن الله اطلع على سريرته، فاختار له اليوم الأخير من أيام التشريق، ليُصلي عليه ويدعو له ما يزيد على نصف مليون حاجٍ كانوا لتوّهم عائدين من عرفات، وقد طهّرتهم الرحلة وربما خرجوا من ذنوبهم كما ولدتهم أمهاتهم، فأنّى يُرد دعاؤهم؟!
لقد علم الله منه أنه لا يريد أن يُكلّف أحدًا فوق وسعه فاختار له هذا اليوم المبارك، حتى لا يجد من أحبوه مشقة في الوصول إلى مكة، وسط الزحام والطُرق المزدحمة بالقادمين أمام نقاط الفرز والتفتيش، قبل ساعاتٍ فقط من وفاته.
وفي مقبرة الشهداء، لم تُرفع جنازةٌ سواه. كان الوقت بعد صلاة الفجر، ورغم الساعات الأولى من الصباح، حضر جمعٌ لم يكن ليُصدَّق لولا أن رآه الحاضرون بأعينهم. مشهدٌ يليق بمن عاش عزيز النفس، كريم الشمائل، رقيق القلب.
هذا هو الحبيب، والصاحب، والصديق، ورفيق الطفولة، وزميل العمر عبدالرحيم بن مسفر رمزي.. صاحب الوجه البشوش، والابتسامة الصادقة، والقلب الرحيم. رجلٌ تجتمع فيه الأخلاق العالية والسمات الجميلة. كان صمته حكمة، ونطقه فائدة، ومجالسته متعة، وغيابه كارثة.
قلّ أن تجد مثله في الإيثار، والوفاء، والتضحية. بذل من نفسه وماله ووقته لأجل غيره، وكأنه خُلق ليكون رحمة لمن حوله.
نسأل الله أن يعفو عنه بعدد من حجّ واعتمر، وبعدد ما أُسقط في الأرض من حجر، وما نبت عليها من شجر، وأن يجمعنا به ووالدينا ومن نحب في جنات النعيم، فقد كان فقده فجوةً لا يسدها أحد.