وقت تشكيل تكتل اقتصادي بنواة خليجية

وقت تشكيل تكتل اقتصادي بنواة خليجية

لا تنتظروا نتائج الحروب الاقتصاديَّة القائمة الآن، على العرب، وباقي الشرق الأوسط، أنْ يتحرَّك. الاقتصاد في منطقتنا بحاجة إلى رعاية، ولا يمكن للاقتصاد أنْ يتطوَّر سوى بالأفعال.

التقارب والتعاون فيما بين كيانات المنطقة مطلوب، وهو كذلك منذ أُنشئت جامعة الدول العربيَّة، في القرن الماضي، لكن العرب لم يحقِّقوا اقتصادات أفضل، ولم يوفِّروا الرعاية الجيدة لمواطنيهم سوى في حالات قليلة. وأبرز هذه الحالات دول الخليج العربيِّ. وهي دول لا تحتكر إنتاج البترول، ولكنَّها أحسنت استغلال ثرواتها الطبيعيَّة بشكلٍ فاق الآخرين، وتمكَّنت من أنْ تجعل من مواطنيها قوَّة عاملة تسلَّحت بالتكنولوجيا العالية لتُحقِّق نجاحات كبيرة في مختلف المجالات.

الشعوب في مجلس التعاون الخليجيِّ، انتفضت مع قياداتها لبناء أوطانها، وتمكَّنت من جعل مجتمعاتها أكثر حضارة وقوَّة صناعيَّة وتكنولوجيَّة واقتصاديَّة. لم تتردَّد في جلب الخبير الأجنبيِّ، عندما تطلَّب الأمر ذلك، ومكَّنت شبابها -نساءً ورجالًا- من أنْ يتحوَّلوا هم إلى خبراء في المجالات التي كانوا يستخدمون فيها الأجنبي -سابقًا-؛ للمساعدة في تحقيقها. فأنشأوا الجامعات والمعاهد والمدارس، وأرسلوا البعثات الدراسيَّة والعلميَّة إلى مختلف أنحاء العالم، إلى الصين وأمريكا وأوروبا واليابان والهند وغيرها. ليعود طلبة الخليج إلى أوطانهم مسلَّحين بالعلم والمعرفة، والخبرة بكل مجالات الحياة، والثقافة، والصناعة.

الثروة البترولية توجد في العديد من البلدان العربية، لكن دول الخليج كانت الأكثر حكمة في الاستفادة منها لصالح مواطنيها. وتمكنت بعد ذلك بتقليل اعتمادها الاقتصادي على النفط. (السعودية أصبحت تعتمد في اقتصادها على حوالى النصف فقط من النفط).

علينا في الجو الحاليِّ -من عدم الوضوح بالنسبة للسياسات العالميَّة- أنْ نسعى لجمع صفوف أكبر عدد من العرب وأبناء الشرق الأوسط، في تجمُّع اقتصاديٍّ يُشكِّل كتلة وازنة في الاقتصاد العالمي، ويجعل من السهل انتقال البضائع والعمالة فيما بين حدودها عابرًا للحدود، لصالح الإنسان في هذه المنطقة. وإذا كانت، كتلة «مجلس التعاون الاقتصادي» هي أفضل وأكثر تكتل ناجح في المجال الاقتصاديِّ، كما هو مسلَّم به، فإنَّ بداية قيام تكتل اقتصاديٍّ -أكان مشابهًا للاتحاد الأوروبي، أو غير ذلك- يجب أنْ تكون الكتلة الخليجيَّة هي التي يلتقى حولها الآخرون؛ للاستفادة من خبراتها. ومن الأفضل أنْ يكون التكتل من كيانات مستعدة لتطوير نفسها، والابتعاد، في الوقت الحاضر، عن كيانات تتحكَّم فيها عقدة (الأنا). وربما يكون الآن الوقت الملائم لتبنِّي «مجلس التعاون الخليجي» إقامة كتلة اقتصاديَّة في منطقتنا. وهناك دول تردَّد اسمها لمثل هذا الأمر في السابق ومنها: الأردن، ومصر، والمغرب، وقد يُضاف لها آخرون، راغبون في الالتزام بنظام اقتصاديٍّ متفق عليه.

وتبرز هنا التجربة السعودية، والتي تجسَّدت عبر «رؤية 2030»؛ لتكون أساسًا يبنى عليه نظام الإصلاح الاقتصادي للتكتل الخاص بالمنطقة. وأعجب كثيرون، في دولٍ عدة، بما يُحقِّقه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، بقيادة ومتابعة تنفيذ الرؤية على جميع المستويات، والنجاح الذي تحقق حتى الآن لهذه الإصلاحات الاقتصادية، بما فيها محاربة الفساد، وإدخال التكنولوجيا على كل مناحي الإدارة الحكومية، وتشجيع قيام الشركات الوطنيَّة بتطبيق كل ما هو جديد من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيِّ في أعمالها.

التكتل الاقتصادي مطلوب؛ لحماية شعوب المنطقة، وإعداد شبابها -من الجنسين- للمستقبل الجميل، الذي ينتظر كل الحالمين.